للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مشاهير الصحابة الواردين على البصرة - إيماء إلى ترفيع باذخ بجدم الدولة، وثانيها: استدعاؤه لحضرة الخليفة، وصرف مال لأسرته عند وفاته. وقررنا أنه قريب؛ لما أن من عادة الناس الانحياش إلى من رضيه السلطان، والانقضاض عمن سخطه، شأن أبناء الدنيا في كل حين.

[٢ - علاقته بتلاميذه]

شأن الشيوخ مع التلاميذ أمر عجب؛ لاختلاط عوامل شتى في رسم تلك العلاقة، وما من ريب أن صاحبنا عرف ما لتأثير حدب الشيوخ على الطلبة النبغاء، فبسط لهم الخد، تواضعا لقدر العلم، واستشرافا لبزوغ نجمهم، ورفعهم منار السنة، واستشعارا أن هؤلاء يتلقون مع العلم التزكية، ولا تستقر هاته إلا بإنصاف وإنكار ذات، ولذلك لم يمنعه أن كان البخاري من تلاميذه أن يشهد له بالاستقراء التام للمتون والرجال، فكان من شأن ذلك أن حكى الجعفي فقال: «ذاكرني أصحاب عمرو بن علي الفلاس بحديث، فقلت: لا أعرفه؛ فسروا بذلك، وصاروا إلى عمرو ابن علي فقالوا له: ذاكرنا محمد بن إسماعيل بحديث فلم يعرفه، فقال عمرو بن علي: حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث» (١).

بل إنه يحسن أن محمد بن إسماعيل شب عن الطوق، وعز فيما بلغه أن يدركه الطوق، فينسب نفسه إلى صداقته، ويشهد له بالتفرد؛ قال أبو عمرو الكرماني: سمعت عمرو بن علي الفلاس يقول: أبو عبد الله صديقي، ليس بخراسان مثله (٢).

ويراه أبو حاتم أرشق من ابن المديني (٣)، ويدرك رسوخه النقدي في


(١) تغلق التعليق: (٤٠٧/ ٥)؛ تاريخ بغداد (٢/ ٣٣٨)؛ تاريخ الإسلام: (٦/ ١٥١).
(٢) سير أعلام النبلاء: (١٢/ ٤٢٩).
(٣) تذكرة الحفاظ: (٢/ ٤٨٧). وعبارة ابن أبي حاتم مشكلة من حيث المعنى الاصطلاحي.

<<  <   >  >>