لعله يلوح في إفراد حيز لمثل هذا الأمر ضرب من التزيد لأول وهلة، حتى إذا ما رددت النظر فيه ألزمك أن تدرك أن فيه إشهادا للرجل بعلو الكعب، فكم هم هؤلاء الذين نحصي عليهم تلاميذهم وأولهم في الأخذ وآخرهم في التلقي، إلا أن يكونوا حفاظا، انضم إلى تبريزهم في الفن اشتهار النفع بهم، وحاجة الناس إليهم، وعنايتهم بتتبع سيرهم! وكل ذلك لصاحبنا وصف لازب.
وقد كان «آخر من روى عنه من أهل الدنيا جميعا»(١)، فقيه على مذهب مالك (٢)، هو أحمد بن محمد بن بكر، أبو رؤق الهزاني البصري، ولسنا على ذكر أيان كان ذلك على وجه التحديد، ولعله وقع قبيل وفاته عند رجوعه إلى العسكر؛ لأنه تقدم معنا أنه أسمع في بغداد في خلق كثير بلغ من تعدادهم أن أحوجوه إلى أن يرقى سطحا من سطوح المنازل، ناهيك عن أنهم اضطروا إلى ذلك حتى مع وجود المملين - وقد كانوا كالفطر في دار السلام؛ لا غزو، فقد اجتمع إليه أصحاب المحابر من كل حدب ينسلون. ولكننا نستطيع أن نحصر عمر أبي روق - وقد سمع من أبي حفص سنة وفاته في الغالب - ما بين إحدى عشرة وسبع عشرة سنة؛ فقد عمر الرجل فبلغ بضعا وتسعين سنة (٣)، ويظهر أنه قد صحب الشيخ قبل آخر سماع منه سنتين على الأقل، فقد ظفرنا له بحديث يسمي فيه سماعه سنة ٢٤٧، روى الخطيب فقال: أخبرنا علي بن القاسم الشاهد من حفظه، حدثنا أبو روق الهزاني،
(١) تاريخ بغداد: (١٤/ ١١٧). (٢) لسان الميزان: (١/ ٣٥٧؛ رت: ٨١٤). والنقل فيه عن تلميذه مسلمة بن قاسم الأندلسي. (٣) العبر: (٢/ ٣٩)؛ وفيات سنة ٣٣١ هـ. ولم يعتم مسلمة أن قال مترددا: «وأحسب أن موته كان في أربع أو خمس وعشرين وثلاث مئة». من لسان الميزان: (١/ ٢٥٧).