للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد جر عليه ذلك من غيرة غريمه علي بن المديني - على جلالة قدره في العلم - ما أفضى بينهما إلى ما هو معلوم.

ومع أن في شيوخه كثرة يؤكدها مسرد أسمائهم، فإن عمرا قصد إلى كبارهم ومبرزيهم، فأخذ عنهم في وقت مبكر، وحكى عن نفسه أنه حضر مجلس حماد ابن زيد وهو صبي (١)، وناهيك بمن هذه حاله إذا استقامت له طرق الأخذ، كيف يكون حاله عند بلوغ الأشد، واستجماع العقل، وتمام المنة، وذلك ما جعله تلميذا استثنائيا يعامل معاملة خاصة، ويقبل منه الشيوخ ما لا يقبلونه من غيره، ويلتفتون إلى رأيه ونقداته فيأخذونها مأخذ الجد، وإن على مضض من بعضهم، مثلما جرى بينه وبين أبي داود؛ فعن عبد الله بن إسحاق المدائني، قال: سمعت الفلاس يقول: كنت يوما عند أبي داود، فقال: ثنا شعبة، ثنا عمرو بن مرة، عن طارق بن شهاب.

وحدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق. فقلت: يا أبا داود، ليس لحديث عمرو بن مرة أصل. فقال: اسكت. فلما صرت إلى السوق إذا جاريته تقول: قال لك مولاي: مر بي إذا رجعت. فأتيته وعليه الكآبة؛ فلما رآني قال: لا والله ما لحديث عمرو بن مرة أصل، وما حدثتك بهما إلا وأنا أراهما في الكتاب (٢).

وتدفعه دالته على شيوخه إلى أن يردهم إلى الصواب إن وهموا، فيقرون ويحمدون له ذلك (٣)، ومن قبيله أنه قال: «حدثنا يوما أبو عاصم النبيل، عن سفيان، عن مغيرة، عن أبي نعيم … »، فقال له أبو حفص: سفيان، عن منصور؛ فقال أبو عاصم: يا عمرويه


(١) تاريخ الإسلام: (٥/ ١١٩٧).
(٢) تاريخ بغداد: (١٤/ ١٢٢)؛ إكمال مغلطاي: (١٠/ ٢٣٣؛ رت: ٤١٤٥).
(٣) لو أن طالبا اليوم عن له أن ينبه - مع لزوم الأدب - أستاذا إلى خطئه، لناله من العنف والاضطهاد وسوء القالة، ما يقرر عنده أن المداهنة نصف العلم!

<<  <   >  >>