للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خمسة آلاف درهم، فقال: هاجر أبو داود إلى أصبهان، وصيروها دار هجرة» (١).

ولا غرو أن الفلاس قد استمرأ الرحلة إليها؛ لأنها كانت متنفسا يتيح له الفرار من اصطكاك ركب الأقران المتواردين على نفس المهيع، والمتماحكين لأدنى سبب، ناهيك عن أن فتنة خلق القرآن في العقد الثالث من القرن الثالث، وقد طالت واشرأب عنقها، تجعل المكث بالبصرة مخلقا للرؤوس، متيحا أخذها بهاته الفرية في أي وقت، فيكون النزوح عنها من الحكمة وإصابة الرأي؛ فإن انضاف إلى هذا ما وجده أبو حفص ثمة من الإمداد المذهب للإملاق، والإسعاد بنفاق الذكر، كان فهم الكلف بأصبهان أمرا سائغا؛ إذ «المورد العذب كثير الزحام»، يشهد له أنه «كان يقدم بها كل سنة على الحسين [بن حفص بن الفضل بأصبهان]، فيأخذ منه وظيفة كانت له من صلته» (٢)، ولم ينقطع عن الرحلة إليها حتى بعد وفاة صاحبه سنة ٢١٢ هـ، فزراها على الولاء سنوات ٢١٦ و ٢٢٤ و ٢٣٦ هـ (٣).

وقد أكسبه تردده المستمر على أصبهان أصدقاء خلصا، كان من بينهم واحد من أهلها ينميه نسبه إلى ثقيف، ثبت أنه شاوره كتابة مرة على الأقل، ويبدو من مكتوبه أنه كان حكيما زاهدا (٤).


(١) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ١٩٣).
(٢) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ٥٨ - ٥٩)؛ وما بين المعكفين مزيد مني.
وحسين هذا «من ناقلة الكوفة، ونقل علم الكوفيين إلى أصبهان وأفتى بمذهبهم، ولي القضاء والفتيا والعدالة والرئاسة بأصبهان، كان وجه الناس وزينتهم على نظرائه وأشكاله، كان دخله كل سنة مئة ألف درهم، فما وجبت عليه زكاة قط، كانت جوائزه وصلاته دائرة على المحدثين وأهل العلم والفضل، مثل أبي مسعود وعمرو بن علي، وكان من المختصين بسفيان الثوري».
(٣) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ١٩٢؛ رت: ١٤٨).
(٤) ن الخبر في تاريخ جرجان: ٢١.

<<  <   >  >>