للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل ما يلابس النسخة يفصح عن أنها مغربية الدار، مراكشية القرار، وأول ذلك: أن نسختنا ثاوية ببلدنا، محبسة على جامع من عريق جوامعه. وثانيها: أن شبهة الانتماء تقوى بما نعلم أن تاريخ أبي حفص الفلاس كان من ذخائر الخزانة الموحدية، وأنه مما فاخر بتملكه من الأصول أبو الحسن ابن القطان الفاسي (ت ٦٢٨ هـ) في بيان الوهم والإيهام (١)، فناسب أن لا يعدم عنها فرع. وثالثها: أننا نرجح أن يكون الأمير المقصود أبا زكريا يحيى (المعتصم) بن محمد (الناصر) بن يعقوب المنصور الخليفة الموحدي (ولايته: ٦٢٤ - ٦٣٣ هـ)؛ فإن هذا بويع على استحياء وتردد من شيوخ الموحدين وهو غلام حزور، بعد بيعتهم للمأمون وقتلهم للعادل، وامتنع من هذه البيعة عرب الخلط وقبائل هسكورة، ولم يستتب له الأمر قط؛ إذ لم يزل مدته في منازعة للمأمون وولده الرشيد، إلى أن قتل (٢). وهو يوم مات، ترك البلاد تضطرم نارا، قد توالى عليها الخراب والفتن، والقحط والغلاء الشديد، والخوف بالطرقات، وقد تكالب العدو على أكثر بلاد المسلمين بالأندلس، وبنو حفص قد استبدوا بإفريقية، وبنو مرين قد دخلوا المغرب واستحوذوا على جميع بواديه، وأخرجوا عليها عمالهم وحفاظهم» (٣). وأعرب عن الحال بألخص مما مر ابن أبي زرع حين قال عن المأمون: «وكانت أيامه كلها شقية في منازعة يحيى، افترق الموحدون فيها فرقتين، فصارت الدولة دولتين» (٤).

ثم إننا نظرنا إلى تاريخ تقييد الفراغ، فأفضى بنا إلى استحالة أن يكون تاريخ النسخة المنقول عنها؛ لأنها تؤوب إلى عصر الأمير أبي زكريا يحيى الموحدي،


(١) بيان الوهم والإيهام: (٤/ ٣٤٦ - ٣٤٧؛ ر: ١٩٣٢).
(٢) ن تفصيل ذلك في الأنيس المطرب لابن أبي زرع: (٣٢٥ - ٣٢٧).
(٣) المصدر نفسه (٣٢٨).
(٤) المصدر نفسه (٣٣٣).

<<  <   >  >>