للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا دعاء الناسخ في آخر الأمر بقوله: «عرفنا الله خيره، ووقانا شره»، علم أن الناسخ لم يرتسم بالخطة كما هي العادة، ولا له فيها باع؛ إذ ليس من الآداب السلطانية ولا خدمة الملوك ذكر الشر بإثر ذكرهم؛ لما فيه من قلة الأدب وسوء الفأل.

ولعل مرد ما وقع للناسخ من اضطراب أنه وجد نفسه في ظرف استثنائي، صار بموجبه ناسخا لثائر متمرد، انفرد عن السلطة المركزية بحكم مراكش، أو أمير نوزع الملك، فأعوزته خبرة الخدمة، أو أخطأته الكياسة، فنسخ مثلما ينسخ لعامة الناس، وزاد فترك الكتاب خلوا من عنوان وترجمة، بل عناوين فصول، وتردد في الختم، وأفصحت يده الرعشة عن خوف دفين.

ولكن قلم الناسخ - على ما أسلفت - أفصح في حيزه اليسير عن أمر لا يفهم إلا بمعرفة حال المغرب - ومراكش تحديدا - في تلك الفترة، فنطقت عباراته بالدلالة على أن الزمن كان زمن فتنة، أو على الأقل لم يكن زمن استقرار، وأن استتباب الأمن إن وقع، فإنما يعد بأيام نحسات، وأن المنتسخ أنجز في وضع خاص.

ومع هذا الاستنتاج الملح، لم يناسب أن يكون المقصود بالحاكم المعظم الأسنى أبا زكرياء يحيى الحفصي (تولى سنة ٦٢٥ هـ، إلى حدود وفاته سنة ٦٤٧ هـ) (١)؛ فإنه


(١) من قرائن استبعاد هذا الاحتمال بالكلية: اتساع الهوة بين صنيع ناسخنا وبين صنيع أحد نساخ أمراء الدولة الحفصية، فبينا تضاءل حجم الإجادة عند الأول، ترقى الآخر سلم الرسوخ، فيصف الباحثون نسخة دار الكتب المصرية رقم ٢٣٤٦ أدب، من لزوميات أبي العلاء المعري بقولهم بعد كلام: «كتبها من يدعى عبد الواحد بن عبد الرفيع، لمكتبة الأمير الأجل المرتضى أبي زكريا بن الشيخ المعظم أبي محمد بن الشيخ المعظم أبي حفص، وفرغ منها في أواسط شهر صفر سنة ٦٣٩ هـ … ثم قابلها على أصله حسب طاقته. وتمتلئ النسخة بالشروح القيمة التي تدل على قدرة صاحبها اللغوية الفائقة … كذلك تكشف النسخة عن قدرة كبيرة تمتع بها الناسخ في يقظة التتبع، ودقة الضبط، وجمال الخط». =

<<  <   >  >>