جئتُ. فقلت: لآتِيَنّ هذا الرجلَ، فواللَّه لئن كان صادقًا فلأسْمَعَنّ منه، ولئن كان كاذبًا ما هو بضائري، قال: فأتيْتُه. واستَشْرَفَني النّاسُ وقالوا: عديّ بن حاتم، عديّ بن حاتم. قال: فدخلْتُ على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال لي:"يا عديَّ بن حاتم، أسْلِم تَسْلَمْ". فقلت: إنّي من أهل دين. قال:"أنا أعلمُ بدينك منك" فقلت: أنت أعلم بديني منّي؟ قال:"نعم، ألسْتَ من الرَّكوسيّة، وأنت تأكل مِرباعَ قومك؟ " قلت: بلى. قال:"فإنّ هذا لا يَحِلُّ لك في دينك". قال: فلم يَعْدُ أن قالها فتواضَعْتُ لها. فقال:"أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتَّبَعَه ضَعَفةُ النّاس ومَن لا قوّة له، وقد رمَتْهم العربُ، أتعرِفُ الحِيرة؟ " قلت: لم أرَها، وقد سمعتُ؟ قال:"فوالذي نفسي بيده، لَيُتِمَّنَّ اللَّه عزّ وجلّ هذا الأمرَ حتى تَخْرُجَ الظَّعينةُ من الحيرة حتى تطوفَ بالبيت في غير جوار أحد. ولتُفْتَحَنَّ كنوز كِسرى بن هُرْمُز". قلتُ: كِسرى بن هُرْمُز؟ قال:"نعم، كِسرى بن هُرْمُز. وليُبْذَلَنّ المال حتى لا يقبلَه أحد".
قال عديّ بن حاتم: فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار، ولقد كنت فيمن فتح كنوز كسرى بن هُرْمزُ. والذي نفسي بيده، لتَكونَنّ الثالثة؛ لأنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد قالها (١).
هذا بمعنى الحديث.
* طريق آخر:
حدّثنا أحمد قال: حدّثنا محمد بن جعفر قال: حدّثنا شعبة قال: سمعتُ سماك بن حرب قال: سمعت عبّاد بن حُبَيش يحدّث عن عديّ بن حاتم قال:
جاءت خيل رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأخذوا عمّتي وناسًا، فلمّا أتَوا بهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صُفّوا له، فقالت: يا رسول اللَّه، نأى الوافد، وانقطع الوالد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خِدمة، فمُنَّ عليّ مَنَّ اللَّه عليك. قال:"من وافِدُكَ؟ " قالت: عديّ بن حاتم. قال: "الذي فرّ من
(١) هذه رواية يزيد بن هارون عن هشام بن حسّان عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة عن رجل عن عديّ - المسند ٤/ ٢٥٧. ورواية محمد بن أبي عدي ٤/ ٣٧٨ باختلاف وزيادة عمّا هنا. والحديث رجاله رجال الصحيح عدا ابن حذيفة، أبي عبيدة، فهو مقبول، أخرج له ابن ماجة والنسائي، ومع ذلك صحّحه الحاكم ٤/ ٥١٨ وجعله على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وبعض فقر هذا الحديث مرّت في حديث البخاري السالف.