ولمّا سار أبوه مروان إلى مصر، بعثه في جيش إلى أيلة ليدخل مصر من تلك النّاحية، فبعث إليه ابن جحدم أمير مصر بجيش عليهم زهير بن قيس البلوي، فلقي عبد العزيز ببصاق - وهي سطح عقبة أيلة - فقاتله فانهزم زهير ومن معه.
فلمّا غلب مروان على مصر في جمادى الآخرة سنة خمس وستين، جعل صلاتها وخراجها إلى ابنه عبد العزيز بعد ما أقام بمصر شهرين، فقال عبد العزيز: يا أمير المؤمنين، كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي؟ فقال له مروان: يا بنيّ، عمّهم بإحسانك يكونوا كلّهم بني أبيك، واجعل وجهك طلقا تصف لك مودّتهم، وأوقع إلى كلّ رئيس منهم أنّه خاصّتك دون غيره، يكن لك عينا على غيره، وينقاد قومه إليك. وقد جعلت معك أخاك بشرا مؤنسا، وجعلت لك موسى بن نصير وزيرا ومشيرا. وما عليك يا بنيّ أن تكون أميرا بأقصى الأرض، أليس ذلك أحسن من إغلاق بابك وخمولك في منزلك؟
وأوصاه عند مخرجه من مصر إلى الشّام فقال: أوصيك بتقوى اللّه في سرّ أمرك وعلانيته ف ﴿إِنَّ اَللّهَ مَعَ اَلَّذِينَ اِتَّقَوْا وَاَلَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [الآية ١٢٨ سورة النحل]، وأوصيك ألاّ تجعل لداعي اللّه عليك سبيلا، فإنّ المؤذّن يدعو إلى فريضة افترضها اللّه، ﴿إِنَّ اَلصَّلاةَ كانَتْ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً﴾ [الآية ١٠٣ سورة النساء]، وأوصيك ألاّ تعد الناس موعدا إلاّ أنفذته لهم، وإن حملته على الأسنّة، وأوصيك ألاّ تعجل في شيء من/ الحكم حتى تستشير، فإنّ اللّه لو أغنى أحدا عن ذلك لأغنى نبيّه محمدا ﷺ عن ذلك بالوحي الذي يأتيه، قال اللّه ﷿:
﴿وَشاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ﴾ [الآية ١٥٩ سورة آل عمران].
وخرج مروان من مصر لهلال رجب سنة خمس وستين، فوليها عبد العزيز على صلاتها وخراجها.
وتوفّي مروان لهلال رمضان، وبويع ابنه عبد الملك بن مروان، فأقرّ أخاه عبد العزيز. ووفد على عبد الملك في سنة سبع وستين، وجعل على الحرس والخيل والأعوان جناب بن مرثد الرّعيني، فاشتدّ سلطانه. وكان الرّجل إذا أغلظ لعبد العزيز وخرج، تناوله جناب ومن معه فضربوه وحبسوه.
و (١) عبد العزيز أوّل من عرّف بمصر في سنة إحدى وسبعين؛ قال يزيد بن أبي حبيب: أوّل من أحدث القعود يوم عرفة في المسجد بعد العصر عبد العزيز بن مروان.
= المحاسن: النجوم الزاهرة ١٧١: ١ - ٢١٠. (١) من هنا ينقل المقريزي عن ولاة مصر للكندي.