ومن ذلك قول ١٤ وهو يتحدّث عن الشَّاهد:(ليبك يزيد. . .) وقد ردّ النَّاس هذه الرواية، تحاملًا على الشيوخ، وجهلًا بأنه قد قرئ بنحوه في كتاب اللَّه، مثل قراءة من قرأ: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ} (١) ومثل هذا أيضًا قراءة من قرأ: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}(٢) أي يسبحه فيها رجال صفتهم ما ذكره وزينه يعني: القتل شركاؤهم.
قال أبو الحجاج: وفي الإبهام على المخاطب بحذف الفاعل في مثل هذا النَّحو الذي يقصد به العموم تعظيم للمقصود بتلك القصة، ومدح عميم ألا ترى أن قوله تعالى:{يُسَبِّحُ لَهُ} على بناء ما لم يسم فاعله أذهب في المدح والتعظيم، لما يقتضيه هذا اللّفظ من العموم؛ لأنه يقتضي أنه يسبحه فيها الإنس والجن والملائكة وساير الخلق كما قال سبحانه:{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}(٣) على أحد الأقوال هاهنا ثم خصَّ قوله: رجال صفتهم كذا مدحًا لهم وتشريفا وعناية بهم. . .
ولا شكّ أن قراءة الجمهور أعلى، والاستمرار على حذف ما قد أقيم غيره مقامه أولى. لكن اللّغة العربية كثيرة الاتساع، يعرفها ذو الباع الوساع".
(١) سورة النور، الآيتان: ٣٦، ٣٧. (٢) سورة الأنعام، الآية: ١٣٧. (٣) سورة الإسراء، الآية: ٤٤.