فإنا لنتذاكر الفرزدق، ونقول: ليت شعري ما فعل، إذْ طلع علينا في حلة أفواف مخططة، له غديرتان، حتّى جلس في مجلسه بالأمس] (١)، ثم قال ما فعل الأنصاري؟ فنلنا منه وشتمناه. فقال: قاتله الله! ما رميت بمثله، ولا سمعتُ بمثل شعره، ثم ذكر، أنَّه رام ليلته قولًا يرضيه، فلم يتجه له ذلك، قال: فلما نادَى مُنَادي الفجر، رحلتُ ناقتي، ثم أخذت بزمامها، فقدت بها حتّى أتيت ذُبَابًا (٢)، يعني جبلًا بالمدينة، ثم ناديتُ بِأَعْلى (٣) صوتي: أخاكم أبا ليلى (٤)، فجاش صدري، كما يجيش المرجل، فعقلت ناقتي، وتوسدت ذراعها، فما (٥) قمت حتّى قلت: مائة وثلاثة عشر بيتًا، فبينما هو ينشد، إذْ طلع الأنصاري، حتّى إذا انتهى إلينا سلّم، ثم قال: أَمَا إنّي لم آتك؛ لأعجلك عن الأجل الذي وقَتُه لأَجَلِكَ، ولكني أحببتُ ألّا أراك إلّا سألتك عما صنعت، فمَال له: اجلس، ثم أنشده (٦):
(١) ساقط من الأصل، وهو من النقائض. (٢) ذِباب: ككتاب جبل في طرف المدينة. "المعالم المطابة ١١٥، ١٤٦". (٣) في الأصل "بأعلا". (٤) في النقائض "أبا لبيني". (٥) في الأصل "ما قمت". (٦) الدّيوان ٢/ ٢٣، والنقائض ٥٤٨. وأعشاش: موضع في ديار بني يربوع "البكري ١٧١". وحدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس بن مسعود امرأة الفرزدق التي يذكرها في شعره. "بن حزم ٣٢٦".