ابن زريع، فيكون حضرها وصلى على شيخه، وكان قريبا من شيوخ البصرة بحيث بلغ إلى سمعه كلام معتمر.
وطبيعي أن تكون مكانة الفلاس لدى أبي عاصم على الأقل، باعثة على الحنق عند بعض أقرانه ومغذية لجذوته؛ فقد كان محل سره، يشكو إليه ويناجيه (١)، ويختصه دونهم بما يرى كل فرد منهم أنه أحق به منه. كما كان ردءا ليحيى بن معين، في تسديد أنظاره، وتصحيح ما يلقيه إلى خواص طلبته من الاستيضاح عند الوهم الجاري على أمثاله، ولذلك لم يقبل منه أن يخطئ إذ هو معه ثم لا ينبهه، واستنكر ذلك عليه، وهو مقام تشرئب إليه الأعناق، وتتشوف إليه النفوس، وصاحبه محمد بلا مرية؛ حكى عباس العنبري فقال:«حدث يحيى بن سعيد القطان بحديث فأخطأ فيه، فلما كان من الغد، اجتمع أصحابه حوله، وفيهم ابن المديني وأشباهه، فقال لعمرو بن علي من بينهم: أخطئ في حديث وأنت حاضر فلا تنكر!»(٢).
ثم أتى الوادي فطم على القري، فإن يكن بقي شيء مما يثير البغضة، فقد أوغرت سلامة صاحبنا من فتنة خلق القرآن صدر علي الذي اكتوى بنارها، واصطلى بأوراها، ولم يسعه ما وسع عمرا من التفصي والنفاذ، على أي وجه كان.
والحق الصراح أن محل ابن المديني والفلاس رحمهما الله، أجل من أن يلتفت إلى ما بينهما؛ «قال الحاكم: وقد كان عمرو بن علي أيضا يقول في علي بن المديني (٣)؛ وقد أجل الله تعالى محلهما جميعا عن ذلك. يعني: أن كلام الأقران غير معتبر في حق بعضهم بعضا، إذا كان غير مفسر لا يقدح» (٤).
(١) ن مبدأ مبحث شيوخه، وكيف كانت صلته بهم. (٢) تهذيب التهذيب: (٨/ ٨١). (٣) ولكنه كلام مرسل، لم ينقل إلينا فحواه. (٤) تهذيب التهذيب: (٨/ ٨١). ون إكمال تهذيب الكمال: (١٠/ ٢٣٢).