للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب الصلة: «ويعرف - يعني عمرا - بعمرويه» (١)، فقطعت جهيزة قول كل خطيب!

ولا تسعف الأخبار بشيء عن الأحوال المادية لأسرة الفلاس، والظاهر أنها كانت مستورة الحال، ولم تكن فقيرة مدقعة؛ لأن بحرا كان يخرج من ماله في سقاية الحاج، ولأنها دفعت بعمرو إلى الطلب، فلولا أنها كذلك ما استطاعت، ولم تكن طائلة الغنى أيضا، فلم يصل منها إلى صاحبنا شيء، فظل مملقا حتى وهو بالغ الأشد، يخلو منزله في أيام كثيرة من طعام وقت الغذاء؛ فيحكي نفسه عن بعض تلك الأيام النحسات قائلا: «جاءني عفان (٢) في نصف النهار، فقال لي: عندك شيء نأكله؟ فما وجدت في منزلي خبزا، ولا دقيقا، ولا شيئا يشترى به؛ فقلت: إن عندي سويق شعير، فقال لي: أخرجه، فأخرجت له من ذاك السويق، فأكل أكلا جيدا … » (٣). ولعله من أجل ذلك «كان يقدم كل سنة على الحسين [بن حفص بن الفضل (ت ٢١٢ هـ) بأصبهان]، فيأخذ منه وظيفة كانت له من صلته» (٤).

ويبدو من تاريخ وفاة الحسين أن الفلاس لم يتخلص من إملاقه إلا بأخرة، يوم دنا من حظيرة الخلافة.


(١) إكمال مغلطاي: (١٠/ ٢٣٥؛ رت: ٤١٤٥).
(٢) عفان بن مسلم، من ثقات شيوخه.
(٣) تاريخ بغداد: (١٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣). وانظر لحال الرجل؛ أضر به الجوع، ولو كان من المستطعمين بالعلم شأن الغالب، لتفصى من هذا الموقف الضنك!
(٤) طبقات المحدثين بأصبهان: (٢/ ٥٨ - ٥٩)؛ وما بين المعكفين مزيد مني.
وحسين هذا «من ناقلة الكوفة، ونقل علم الكوفيين إلى أصبهان وأفتى بمذهبهم، ولي القضاء والفتيا والعدالة والرئاسة بأصبهان، كان وجه الناس وزينتهم على نظرائه وأشكاله، كان دخله كل سنة مئة ألف درهم، فما وجبت عليه زكاة قط، كانت جوائزه وصلاته دارة على المحدثين وأهل العلم والفضل، مثل أبي مسعود وعمرو بن علي، وكان من المختصين بسفيان الثوري». من أخبار أصبهان (١/ ٣٢٧؛ رت: ٥٨٨).

<<  <   >  >>