قال أبو جعفر: وهذه الآية مما وبخ الله بها المخاطبين من بني إسرائيل، في نقض أوائلهم الميثاق الذي أخذه الله عليهم بالطاعة لأنبيائه، فقال لهم: واذكروا أيضا من نكثكم ميثاقي،"إذ قال موسى لقومه" - وقومه بنو إسرائيل، إذ ادارؤوا في القتيل الذي قتل فيهم إليه:(إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا) .
و"الهزؤ": اللعب والسخرية، كما قال الراجز:(١)
قد هزئت مني أم طيسله ... قالت أراه معدما لا شيء له (٢)
يعني بقوله: قد هزئت: قد سخرت ولعبت.
ولا ينبغي أن يكون من أنبياء الله -فيما أخبرت عن الله من أمر أو نهي- هزؤ أو لعب. فظنوا بموسى أنه في أمره إياهم -عن أمر الله تعالى ذكره بذبح البقرة عند تدارئهم في القتيل إليه - أنه هازئ لاعب. ولم يكن لهم أن يظنوا ذلك بنبي الله، وهو يخبرهم أن الله هو الذي أمرهم بذبح البقرة.
* * *
(١) هو صخير بن عمير التميمي، ويقال إن القصيدة للأصمعي نفسه. (٢) الأصمعيات: ٥٨، وأمالي القالي ٢: ٢٨٤، وانظر تحقيق ما قيل فيها في تعليق سمط اللآلي للراجكوتي: ٩٣٠ وروايتهم جميعا: تهزأ مني أخت آل طيسله ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ويروى"مملقا لا شيء له" و"مبلطا"، وكلها بمعنى واحد: فقيرا لا شيء له.