القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (١١٧) }
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (وإذا قضى أمرا) ، وإذا أحكم أمرا وحتمه. (١)
* * *
وأصل كل"قضاء أمر" الإحكام، والفراغ منه. (٢) ومن ذلك قيل للحاكم بين الناس:"القاضي" بينهم، لفصله القضاء بين الخصوم، وقطعه الحكم بينهم وفراغه منه به. (٣) ومنه قيل للميت:"قد قضى"، يراد به قد فرغ من الدنيا، وفصل منها. ومنه قيل:"ما ينقضي عجبي من فلان"، يراد: ما ينقطع. ومنه قيل:"تقضي النهار"، إذا انصرم، ومنه قول الله عز وجل:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ)[سورة الإسراء: ٢٣] أي: فصل الحكم فيه بين عباده، بأمره إياهم بذلك، وكذلك قوله:(وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ)[سورة الإسراء: ٤] ، أي أعلمناهم بذلك وأخبرناهم به، ففرغنا إليهم منه. ومنه قول أبي ذؤيب:
وعليهما مسرودتان، قضاهما ... داود أو صَنَعَ السوابغِ تُبَّعُ (٤)
(١) حتم الأمر: قضاه قضاء لازما. (٢) كان في المطبوعة: "قضاء الإحكام"، والصواب ما أثبت. (٣) في المطبوعة"فراغه" وزيادة"منه" واجبة. (٤) ديوانه: ١٩، والمفضليات: ٨٨١ وتأويل مشكل القرآن: ٣٤٢، وسيأتي في تفسير الطبري ١١: ٦٥، ٢٢: ٤٧ (بولاق) ، من قصيدته التي فاقت كل شعر، يرثى أولاده حين ماتوا بالطاعون. والضمير في قوله: "وعليهما" إلى بطلين وصفهما في شعره قبل، كل قد أعد عدته: فتناديا فتواقفت خيلاهما ... وكلاهما بطل اللقاء مخدع متحاميين المجد، كل واثق ... ببلائه، واليوم يوم أشنع وعليهما مسرودتان. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . "مسرودتان"، يعني درعين، من السرد، وهو الخرز أو النسج، قد نسجت حلقهما نسجا محكما. وداود: هو نبي الله صلى الله عليه وسلم. وتبع: اسم لكل ملك من ملوك حمير (انظر ما سلف ٢: ٢٣٧) . قال ابن الأنباري: "سمع بأن الحديد سخر لداود عليه السلام، وسمع بالدروع التبعية، فظن أن تبعا عملها. وكان تبع أعظم من أن يصنع شيئا بيده، وإنما صنعت في عهده وفي ملكه". والصنع: الحاذق بعمله، والمرأة: صناع. ويروى: "وعليهما ماذيتان"، يعني درعين. والماذية: الدرع الخالصة الحديد، اللينة السهلة.