أنه كان على حال من الصغر بحيث سمع الحديث ممن لم يعرفه حينها (١)، والثاني أنه كان مميزا ذاكرا؛ بحيث احتفظ بحلية الرجل فوصفه حتى علم، وفيه دليل على نبوغ مبكر وذكاء.
وقال عن نفسه: كتبت عن أبي الوليد [هشام بن عبد الملك الطيالسي] سنة أربع وثمانين حديثين؛ أفادني عنه أبو داود (٢).
ويدل لما مر قول الفلاس في مجلس إملائه الأخير:«حدثنا فلان بن فلان منذ سبعين سنة»(٣)، فيفيد أنه كان سنة ١٧٩ هـ أو قبلها قد شرع في التلقي، وأنه كان مميزا لما يلقى إليه، وهذا التاريخ حاصل طرح عدد السبعين من تاريخ الوفاة. وقد احتفظ بدقة ببعض تواريخ مبدأ سماعه من بعض الشيوخ، فقال عن عاصم بن هلال أبي النضر البارقي البصري، إمام مسجد أيوب السختياني (٤): «سمعت منه سنة ثمانين ومئة»(٥)، أي قريبا من التاريخ المتقدم.
وحين استنفد صاحبنا أو كاد ما في عيبة شيوخه البلدتين، تاقت نفسه ـ على جزي العادة ـ لأداء منسك الحج ولقاء الجلة في مؤتمر المسلمين الأعظم، فرحل إلى مكة سنة ١٨٦ هـ، وحدث بها وبمنى (٦)، وفي هذه الحجة اكترى راحلة من أبي الحجارة بن واصل بن عبد الرحمن، نص عليه في كتاب التاريخ بقوله: «واكتريت من ابنه إلى مكة
(١) أي: على التفصيل، وأما على الإجمال، فالمعرفة حاصلة؛ لأنه لا يجلس إليه وإلا قد أناط نفسه التعرف على قدر من أحواله مما يتعلق بالعلم والوثاقة. (٢) المستخرج لابن منده: ٣/ ٥١١. (٣) تارخ بغداد: (١٤/ ١٢٢ - ١٢٣). (٤) الجرح والتعديل: (٦/ ٣٥١؛ رت: ١٩٣٨). (٥) تاريخ الإسلام: (٤/ ٨٧٠؛ رت: ١٦٦). (٦) لاحظ أنه تصدى للتحديث على حال من الفتوة في السن.