عن هذا؛ وأراه ـ حسبما يأتي دليله - لم يقابل نسخته بالأصل، أو أعجل عن القيام بذلك بالعضل أو الاضطرار، ففوت من التصحيح شيئا كثيرا، وأضر بنسختنا هاته أي ضرر، وعنانا في تتبع هناته وزلقاته فكسر منا الذراع، وقد قيل: إذا نسخت ولم تقابل، فارم في المزابل! ومع أن أواخر القرن الثامن - أوان كتابة النسخة في الظاهر - احتفظ بصبابة باقية من تنوق الخط الأندلسي، رفع الخط المغربي بها الرأس، إلا أن خط ناسخنا فوت كل ذلك، والظاهر أن البلوى بعموم رداءة النساخة كان أمرا فاشيا في المغرب في هذه الفترة المضطربة، حتى قال ابن عباد الرندي الفاسي (ت ٧٩٢ هـ)، إبان إقامته بسلا، مخاطبا أبا زكريا يحيى السراج الفاسي (ت ٨٠٥ هـ): «على أن من ارتضي خطه هاهنا ممن هو متصد للنسخ معدوم»(١).
وقد شان النسخة أمور أربعة كفيل أيها أن يصرف عن معاناتها، فكيف إذا اجتمعت كلها:
ولو كان رمحا واحدا لا تقيته … ولكنه رمح وثان وثالث (٢)!
فمنها: كثرة التضحيفات والأغلاط - وهي القاصمة ـ، وكثرة البياضات والفراغات، ووقوع أسقاط أضرت بالنص، وإدراج ما ليس منه فيه، وأغلب هذا المدرج طرر وحواش طرزت الأصل، غم على الناسخ تمييزها فحشرها في المتن، ولم نخلصه إلا بإعمال نظر مضن وإنفاق وقت غير يسير.
ولكننا لا نروم من وراء هذا الكلام التهوين من شأن الناسخ ولا من نسخته؛ فكفى به إحسانا أن أناط به الله إحياء سفر عظيم من أسفار تواريخ المحدثين، ولكن
(١) نزهة الناظر المتأمل: (٢٨٩). (٢) من شهير إنشادات القاضي أبي بكر ابن العربي الإشبيلي (ت ٥٤٣ هـ).