كان ما يقول محمد حقاً لنحن شر من الحَمير، فقال عمير: أَشهد إِنه لصادق، وإِنك شر من الحمير. وقال: واللَّه إِنى لأَخشى إِن كتمتها عن النبي ﷺ أن ينزل القرآن، وأن أخلط بخطيئة، وَلَنِعم الأَب هو لي! فأَخبر النبي ﷺ فدعا رسول اللَّه ﷺ الجُلَاس فعرَّفه، فتحالفا، - فجاء الوحيْ فسكتوا - وكذلك كانوا يفعلون
-فرفع رسول اللَّه ﷺ رأسه وقرأَ: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ … الآية إِلى قوله: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ﴾ (١) فقال الجلاس أَتوب إِلى اللَّه، ولقد صدق (٢).
وكان الجلاس قد حلف أَن لا ينفق على عمير، فراجع النفقة عليه توبةً منه.
قال عروة: فما زال عمير في عَلياءَ بعد هذا حتى مات.
وأَما هذه القصة فجعلها ابن منده وأَبو نعيم في عمير بن عبيد، ونذكره إِن شاءَ اللَّه تعالى.
وأَما قوله تعالى: ﴿وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، فإن مولى للجلاس قتل في بنى عمرو بن عوف، فأَبى بنو عمرو أَن يعقلوه. فلما قدم النبي ﷺ المدينة جعل عقله على بني عمرو بن عوف (٣).
وقال ابن سيرين: لما نزل القرآن أَخذ النبيّ ﷺ بأذن عمير، وقال:«يا غلام، وَفَتْ أذنك، وصَدَقك ربك».
وكان عمر بن الخطاب قد استعمل عُمَير بن سعد هذا على حِمْص. وزعم أَهل الكوفة أَن أَبا زيد الذي جمع القرآن على عهْد رسول اللَّه ﷺ اسمه سعد وأَنه والد عمير هذا. وخالفهم غيرهم، فقالوا اسم أَبي زيد: قيس بن السكن.
وما أَبعد قول من يقول إِنه والد عمير هذا - من الصواب، فإِن أَبا زيد قال أَنس:«هو أَحد عمومتي»، وأَنس من الخزرج، وهذا عمير من الأَوس، فكيف يكون ابنه؟! ومات عمير هذا بالشام، وكان عمر بن الخطاب يقول: وَدِدْتُ لو أَن لي رَجُلاً مثل عمير، أَستعين به على أَعمال المسلمين.
أَخرجه الثلاثة.
شُهِيد: بضم الشين المعجمة.
(١) سورة التوبة، آية: ٧٤. (٢) ينظر الآثار المروية في ذلك في تفسير الطبري: ١٤/ ٣٦١. (٣) تفسير الطبري: ١٤/ ٣٦٦، ٣٦٧.