فالغافل عن البكاء مذموم سماعه واستمرار سموده هو غاية لمرامه.
فاللهو المنافي للخشوع عن الشوق والمهابة والخضوع مناف للإقبال على المطلوب مؤذن بعدم الإقبال على المحبوب، فليس سواء عالم وجهول.
وروينا في الصحيحين من حديث ابن مسعود (٣) قال: قال لي النبي ﷺ: "اقرأ عليَّ القرآن" فقلت: يا رسول اللَّه، أقرأ عليك وعليك أنزل؟.
قال:"إني أشتهي أن أسمعه من غيري" فقرأت النساء حتى إذا بلغت ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)﴾ (٤)، قال:"حسبك الآن، فالتفت إليه فإذا عيناه تهملان بالدموع"(٥).
فيه القراءة على أكبر أكابر الأولياء، وذرف المدامع.
وروينا فيهما أيضًا من حديث أنس قال: خطب رسول اللَّه ﷺ خطبة ما سمعت
(١) سورة الأعراف (١٤٣). (٢) سورة النجم (٥٩، ٦٠). قال تعالى منكرًا على المشركين في استماعهم القرآن وإعراضهم عنه وتلهيهم (تعجبون) من أن يكون صحيحا و (تضحكون) منه استهزاء وسخرية "ولا تبكون" أي كما يفعل الموقنون به كما أخبر عنهم: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩)﴾ [الإسراء: ١٠٩] تفسير ابن كثير (٤/ ٢٦٠). (٣) في حديث ابن مسعود هذا فوائد منها: استحباب استماع القراءة والإصغاء لها والبكاء عندها وتدبرها واستحباب طلب القراءة من غيره ليستمع له وهو أبلغ في التفهم والتدبر من قراءته بنفسه، وفيه تواضع أهل العلم والفضل ولو مع أتباعهم. [النووي في شرح مسلم (٦/ ٧٧) طبعة دار الكتب العلمية]. (٤) سورة النساء (٤١). (٥) أخرجه البخاري في صحيحه (٤٥٨٢) كتاب التفسير، من سورة النساء ٩ - باب ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١)﴾، ورقم (٥٠٤٩) كتاب فضائل القرآن، ٣٢ - باب من أحب أن يستمع القرآن من غيره، ورقم (٥٠٥٠) ٣٣ - باب قول المقرئ للقارئ حسبك، ورقم (٥٠٥٥) ٣٥ - باب البكاء عند قراءة القرآن. =