كل منهما يشمل الآخر إذ أفرد، ويتميزان عند الاجتماع، فإن الأول فعل الخيرات، والثاني ترك المنكرات.
وفي الكتاب العزيز كثير من ذلك، منه قوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ (٢).
وقال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ (٣) الى آخرها.
قال الشافعي: كلامًا معناه أن الناس أو أكثرهم في غفلة عن تدبر هذه السورة، وهو كما قال، فيحتمل أملًا، فأقسم اللَّه بالعصر، وهي الوسطى، والمراد بالإنسان جميعهم، والخسر: النقص، وذهاب رأس المال، فالكافر في ضلال حتى يموت ويدخل النار فيهلك نفسه وعمره أكثر رأس ماله ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ [العصر: ٣] بالقرآن المجيد، ﴿بِالصَّبْرِ﴾ عن المعاصي.
وروى أبو أمامة (٤) عن أُبي بن كعب قال: قرأت على رسول اللَّه ﷺ
(١) قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ [آل عمران: ١٠٤] منتصبة للقيام بأمر اللَّه في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة يعني المجاهدين والعلماء. "تفسير ابن كثير [١/ ٣٩٠] ". (٢) سورة المائدة [٢]. (٣) سورة العصر [١، ٢]. العصر: الزمان يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر، وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العصر، والمشهور الأول، فأقسم -تعالى- بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ٣] فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ [العصر: ٣] وهو أداء الطاعات وترك المحرمات ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ٣] أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر. "تفسير ابن كثير [٤/ ٥٤٨] ". (٤) أبو أمامة البلوي الأنصاري الحارثي، اسمه إياس، وقيل: عبد اللَّه بن ثعلبة، وقيل: ثعلبة بن عبد اللَّه بن سهل، صحابي له حديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن الأربعة. ترجمته: تهذيب التهذيب [١٢/ ١٣]، تقريب التهذيب [٢/ ٣٩٢]، الثقات [٣/ ٤٥١]، أسد الغابة [٦/ ١٧]، الاستيعاب [٤/ ١٦٠١]، تجريد أسماء الصحابة [٢/ ١٤٨]، التاريخ الكبير [٩/ ٣]، الخلاصة [٣/ ١٩٩]، الاستبصار [٢٥١].