فلما دخل به في السفينة غاصت الدابة في البحر.
وقد تعجبنا من هذا الأمر ومما أخبرتينا به.
وقد عاهدنا اللَّه تعالى أن لا يرانا على معصية بعد هذا اليوم.
قالت: فتابوا عن آخرهم.
فسبحان اللطيف جميل العوائد، سبحان مدرك الملهوف (١) عند الشدائد.
وفي هذا المعنى قيل:
يا مدركًا بسريع اللطف والفرج … عنها الشدائد للملهوف ذي الحرج
كلمحة الطرف بل أدنى تُغيث به … ولو في قعر بحر وجوف الحوت في اللجج (٢)
عوائد منك يا رحمن جارية … عن جميل ندا معروفك النهج
عودتنا وكم عودت من نعم … وكم بعونك بعد البؤس منتهج
فالخير منك تراه غير منقطع … والشر لسنا نراه غير منفرج
لك المحامد يا محمود أجمعها … هديتنا دين حق غير ذي عوج (٣)
بأحمد المصطفى صلى الإله على … بدر الدُّجى (٤) مع نجوم بعده سرج
ولبعضهم في معنى هذه الحكاية:
فإذا ابتليت بشدَّة فاصبر لها … صبر الكريم فما يدوم مقامها
فلرُبَّ يوم نازلتك خطوبة (٥) … ثم انجلى قبل الظلام ظلامها
فاللَّه يبكي كي يثيب فلا تضق … ذرعًا بنازلة جرت أحكامها
ولئن جزعت فليس ذاك بنافع … إن الأمور قضى بها علَّامها
ولبعضهم:
إن خانك الدهر واشتدت نوائبه (٦) … فإن للَّه أنواعًا من الفرج
(١) لُهف لهفًا: أصابه كرب، فهو ملهوف، واللهفان: المكروب.
(٢) اللُّجُ: معظم الماء حيث لا يدرك قعره، ولجُّ البحر: عرضه، ولُجُّ الليل: شدة ظلمته واللُّجة: معظم البحر وتردد أمواجه، واللُّجي: البحر اللُّجي: المُتلاطم الأمواج. وفي القرآن: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ﴾ [النور: ٤٠].
(٣) قال تعالى: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر: ٢٨] أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان.
(٤) الدُّجى: سواد الليل وظلمته، يقال: ليلة دُجِّى، وليال دُجِّى، الدَّياجي: الظلمات.
(٥) الخَطْب: الحال والشأن والأمر الشديد يكثر فيه التخاطب، جمعها: خُطُوب.
(٦) النائبة: ما ينزل بالرجل من الكوارث والحوادث المؤلمة، جمعها: نوائب.