فقال لها: اختاري.
فقالت ما أعجبنا شيء رأيناه فنختاره.
فأظهر لهم مقامات العبادة.
فقالت: قد اخترنا خدمتك يا مولانا.
فقال: وعزتي وجلالي لأشفعنكم غدًا فيمن عرفكم وخَدَمكُم.
وفيهم يقال:
تشاغل قوم بدنياهم … وقوم تخلوا لمولاهم
فالذمَهُم باب مرضاته … وعن سائر الخلق أغناهم
الثانية عشرة: عن أبي الحسن الشاذلي (١) قال: وقع لي تردد في بدايتي بين الانقطاع في البراري والرجوع إلى العمران، وصحبة العلماء والأخيار.
فوصف لي وليٌّ في رأس الجبل فقصدته، فوصلت إليه بعد ما أمسيت.
فقلت: ما أدخل عليه في هذا الليل إلى الصبح فبت على باب المغارة، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن ناسا من عبادك سألوك أن تسخر لهم خلقك فسخرتهم لهم فرضوا عنك بذلك.
وإني أسألك أن تعرج على خلقك حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك.
فقلت: اسمعي يا نفس من أي بحر يغترف هذا الشيخ.
فلما أصبحت دخلت فسلمت عليه، ومُلئت منه رعبا، وقلت له: يا سيدى كيف حالك؟. أما أمر التدبير والاختيار فأنا أعرفه وأنا فيه الآن، فلم ترد الرضا والتسليم، ولم تشكو ذلك فقال: أخاف أن يشغلني حلاوتهما عنه.
فقلت يا سيدي: سمعتك تقول: اللهم إن أناسا من عبادك سألوك، وذكر ما سلف.
فتبسم وقال: يابني عوض ما تقول: سخر لي، قل كن لي، من كان له يحتاج إلى شيء آخر، فما هذه الجناية.
قلت لفظة: كان اللَّه لك، واللهم كُن لي.
كلمة جامعة لكل مرغوب ومرهوب فلتلازم.
الثالثة عشر: عن سري السقطي (٢) قال: كنت يومًا أتكلم بجامع المدينة،
(١) الشيخ أبو الحسن الشاذلي تأتى ترجمته قريبًا.
(٢) السري بن المغلس، أبو الحسن السقطي البغدادي الزاهد، علم الأولياء في زمانه، صحب =