من توبيخها إياي. وأنشدوا:
يجوع للإله لكي يراه … نحيل الجسم من طول الصيام
وقام لربه في الليل حتى … أضْنَ بجسمه طول القيام
ستُجزى في جنان الخُلد حُورًا … نواعم قاصرات في الخيام
وتلقوا مع حسان ناعمات … جوار اللَّه في دار السلام
الحادية عشرة: عن عبد اللَّه بن نافع ﵀ قال: حدثنى أبو أيوب المقدسي أن امرأة من أهله كانت تجتهد في العبادة وتُديم الصيام وتُطيل القيام فأتاها الملعون فقال: إلى كم تُعذبين هذا الجسد، وهذه الروح لو أفطرت وقصرت عن الصلاة كان أدوم لك وأقوى.
قالت: فلم يزل يوسوس لي حتى هممت بالتقصير. ثم دخلت إلى مسجد رسول اللَّه ﷺ مُعتصمة بقبره، وذلك بين المغرب والعشاء فذكرت اللَّه وصلَّيت على رسوله، ثم ذكرت ما نزل بي من وسواس الشيطان واستغفرت اللَّه ﷿ أن يصرف عني كيده.
قالت: فسمعت صوتًا من ناحية القبر يقول: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (٦)﴾ (١).
قالت: فرجعت مذعورة وجلة القلب، واللَّه ما عاودتني تلك الوسوسة بعد.
الثانية عشرة: عن بعض الملوك إنه كانت له جارية اسمها جوهرة فأعتقها، فمرت بأبي عبد اللَّه البراني وهو في كوخ له يتعبد، فتزوجت به وتعبَّدت معه فرأت في منامها خيامًا مضروبة فقالت: لمن ضُربت هذه الخيام؟
فقيل: للمجتهدين بالقرآن، فكانت بعد لا تنام، وكانت توقظ زوجها وتقول: يا أبا عبد اللَّه قد سارت القافلة.
وأنشدوا:
أراني بعيد الدار لا أقرب الحِمى (٢) … وقد نُصِبَت للسائرين خيام
علامة طردى طول ليلي نائم … وغيري يري أن المنام حرام
الثالثة عشرة: عن أحمد بن أبي الحوارى ﵀.
(١) سورة فاطر (٦).
أى هو مبارز لكم بالعداوة فعادوه أنتم أشد العداوة وخالفوه وكذبوه فيما يغركم به ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر: ٦] [انظر تفسير ابن كثير (٣/ ٥٦٥)].
(٢) الحِمَى: الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى.