الأنس باللَّه، والمشاهدة للَّه، ربانيون روحانيون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون (١)﵏ جميعا.
الثامنة عشر: حكي عن ملك كرمان أنه خطب ابنة الشيخ شاة الكرماني ﵀ فاستمهله ثلاثة أيام، ثم أقبل شاة يطوف المساجد، فرأى غلامًا يحسن صلاته، فلما فرغ قال: يا غلام ألك زوجة؟ قال: لا، قال: فهل لك في زوجة تقرأ القرآن وتصلي وتصوم، وهي جميلة نظيفة؟ قال: ومن يزوجني؟ قال شاة: أنا أزوجك، فخذ بدرهم خبزًا، وبدرهم أدمًا، وبدرهم طيبًا، والأمر مفروغ منه، فعقد عليها، فلما دخلت إلى بيت الغلام رأت رغيفًا يابسًا على رأس جرة، فلما رأت ذلك قالت: ما هذا؟ قال: رغيف بقي معي من أمس، فتركته لأفطر عليه، فلما سمعت ذلك ولَّت راجعة، فقال الشاب: قد علمت أنك بنت شاة لا تقنعي بفقري، ولا ترضى بي لها بعلًا (٢) فقالت: إن بنت شاة ليس خروجها من منزلك لفقرك، بل لضعف يقينك، ولست أعجب منك؛ إنما أعجب من أبي كيف قال: زوجتك من شاب عفيف؛ كيف وصف بالعفة من لا يعتمد على اللَّه -تعالى- إلا مع ادخار رغيف، فقال الشاب: أنا عن هذا معتذر، فقالت: أما العذر فأنت أعرف بشأنك، وأما أنا فلا أقيم في بيت فيه رغيف ولا معلوم، فإما أن أخرج أنا وإما أن يخرج الرغيف من البيت، فتصدق الشاب بالرغيف.
وأنشدوا:
ولو كان النساء كمن ذكرنا … لفضلت النساء على الرجال
فما التأنيث لاسم الشمس عيب … ولا التذكير فخر للهلال
التاسعة عشر: روي أن عطاء الأزرق دفعت إليه امرأته درهمين وقالت له: اشتر لنا دقيقًا، فخرج إلى السوق فرأى مملوكًا يبكي فقال: لم تبكي؟ فقال: إن مولاي دفع لي
(١) قال تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨)﴾ [فصلت]. (٢) روى الترمذي في سننه [١٠٨٤] كتاب النكاح، باب ما جاء "إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه"، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه ﷺ: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، وفي رواية عن أبي حاتم المزني رقم [١٠٨٥] " قالوا: يا رسول اللَّه وإن كان فيه؟ قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه" ثلاث مرات" وفي اختيار الزوجة الصالحة روى الترمذي عن جابر [١٠٨٦] أن النبي ﷺ قال: "إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك"، وقال أبو عيسى: حسن صحيح.