رجعا إلى ركبهما فأخبراهم بمكانها، فرجع الركب كلهم حتى حيوها، فردت عليهم، وقالوا: لمن هذا الماء؟ قالت أم إسماعيل: هو لي، قالوا: أتأذنين لنا أن نسكن معك عليه؟ قالت: نعم.
قال ابن عباس: قال أبو القاسم ﷺ: ألفى ذلك أم إسماعيل، وقد أحبت الأنس، فنزلوا وبعثوا إلى أهليهم فقدموا (١)، وسكنوا تحت الدوح، واعترشوا عليها العرش، فكانت (٢) معهم هي وابنها.
وقال بعض أهل العلم: كانت جرهم تشرب من ماء زمزم، فمكثت بذلك ما شاء الله أن تمكث، فلما استخفت جرهم بالحرم وتهاونت بحرمة البيت، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها سرا وعلانية، وارتكبوا مع ذلك أمورا عظاما نضب ماء زمزم وانقطع، فلم يزل موضعه يدرس ويتقادم وتمر عليه السيول عصرا بعد عصر حتى غبي مكانه (٣)، وقد كان عمرو بن الحارث بن مضاض بن عمرو الجرهمي قد كان وعظ جرهما في ارتكابها الظلم في الحرم، واستخفافها بأمر البيت، وخوفهم النقم، وقال لهم: إن مكة (٤) لا تقر (٥) ظالما، فالله الله قبل أن يأتيكم من يخرجكم منها خروج ذل وصغار، فتتمنوا أن تتركوا تطوفون بالبيت فلا [تقدروا](٦) على ذلك، فلما لم يزدجروا (٧)[ولم يعوا وعظه](٨) عمد إلى غزالين كانا في الكعبة من ذهب وأسيافا قلعية كانت أيضا في الكعبة، فحفر لذلك
(١) في ب، ج زيادة: إليهم. (٢) في ج: وكانت. (٣) غبي مكانه: أي خفي (اللسان، مادة: غبا). (٤) في ب، ج زيادة: بلد. (٥) في ب: يقر. (٦) في أ: تقدرون. (٧) في ج: ير زجره. (٨) في الأصول: إياهم وعظهم. والمثبت من د.