فرَوَّض مِن مَغْناكمُ كلَّ تَلْعَةٍ … وطفَّح مِن بَطْحائكم كلُّ مِذنَب (١)
وهَبَّتْ لكم ريحُ الصَّبا بتَحِيَّةٍ … أرَقَّ من الشِّكْوَى إليكم وأعْذب
ومنها أيضا:
خَليلَيَّ مِن عَلْيا رَبيعةَ مالنا … عَقَقْنا وكُنَّا مِن أبَرِّ بَنى أَبِ
رَحَلْنا وخَلَّيْنَا أعِزَّةَ أهْلِنا … يُراعون مَسْرَى الطَّارِق المتأوِّبِ
وصَرْعَى بأكْنافِ الخِيامِ كأنَّهم … سُكارَى ولم تُتْرَعْ كُؤُوسٌ بأكْؤُبِ (٢)
يئِنُّون ممَّا أثْخَنَ البَيْنُ فيهم … أنينَ أسيرِ السَّائرين المعَذّب
لهم بقُدومِ الرَّكْب أُنْسٌ وغِبْطةٌ … وإن لم يكُنْ من نَحْوِنا شَدُّ أرْكُبِ
فإن آنَسوا ذِكْرًا رَمَوْا بأكُفِّهمْ … إلى كلِّ قَلبٍ في لظًى مُتَقَلِّبِ
فإن عايَنوا مِنَّا كتابا تَطالَعَتْ … بوادِرُ دَمْعٍ بالدِّماءِ مُخَضَّبِ
قَصَدْنا لهم ضِدَّ الذي قَصَدوا له … لقد عاقَبَتْ آراؤُنا غيرَ مُذْنِبِ
إلى أيِّ حَيٍّ غيرهم أنا راحلٌ … ومِن أيّ أهلٍ بعدَهم مُتَطلَّبِي
أعاتِبُ نفسي في اصْطباِرِيَ عنْهم … وأذهبُ في تأنيبِها كلَّ مَذهبِ
وإمّا رأى الأقْوام مِنِّي تَجَلُّدًا … فما الشَّأنُ إلا في الضَّميرِ المغَيَّبِ
فكتب جوابَه إليه من "مصر" إلى "حَلَب" (٣):
أتاني ومَن طابَتْ به أرْض يَثْرِبِ … على شِدَّةِ البَلْوَى وطُول التَّرَقُّبِ
أمينٌ إذا ما اسْتُودِع السِّرَّ صانَهُ … وإن خان فيه كلُّ خِلٍّ مُهَذَبِ
فاكْرِمْ به من زائِرٍ مُتَعَمِّدٍ … وأحْسِنْ به مِن واصلٍ مُتَعَتِّبِ
سَرَرْتُ به نفسي وأقْررْتُ ناظِرِي … وأكْثَرْتُ إعْجابي به وتَعَجُّبِي
وقَبَّلْتُه في الحال ثم وضعْتُه … على كَبِدٍ حَرَّى وقلبٍ مُعَذَّبِ
(١) المذنب: مسيل الماء، والجدول إذا لم يكن واسعا.
(٢) في الخريدة: ولم تقرع، وهو أصح.
(٣) خريدة القصر ٢: ٢٢١، ٢٢٢.