بالأدب، وكان والدُه الصاحبُ كمالُ الدين إذا حضر مجلسَ الملِكِ الناصر، لا يحْضر أحدٌ فَوْقَه، وكذلك في المحافِل، فإذا غاب والِدُه، وحصلَ عائقٌ، حضر مجدُ الدين، فقعَد مَكانَه، لا يترفَّعُ عليه أحدٌ من صُدورِ الحلبِيِّين والدِّمشقِيِّين.
ولما بَنَى الملِكُ الظاهر مدرسته التي بين القَصْرَيْن، رتَّبوا مجدَ الدين لتَدْريس الحنفية بها، ولما حضرَ السلطانُ المدرسة المذكورة، كان هو لم يأتِ، فطلَبه السُلطان، فقيل: حتى يَقْضِيَ وِرْد الضُّحَى، ثم جاء وقد تكامَل الناس، فقاموا كلُّهم له، ولم يقُم هو في ذلك المجلس لأحَدٍ، ولما قَدِمَ على قضاءِ "الشام" قدِمَ بِزِيّ الفقراء والرُّؤساء، ولم يَعْبأ بالمنْصَبِ، ولا غيَّرَ لُبْسَه، ولا وَسَّع أكْمامَه، وكان كثير الصَّلاح والعبادة، له أوْرادٌ لا يقْطعُها.
حُكِيَ عنه أنَّه مَرَّ بـ "وادى الرَّبيعة"(١)، وهو مَخُوفٌ جدًّا، فنَزَل وصلَّى، وقرأ ورْدَه بين العِشاءَيْن، والغِلْمانُ ينْتظرونه بالخَيْلِ، فلمَّا فرغ رَكِبَ وسار، وكان يتواضَع للصالحين، ويعْتقد فيهم، وإذا حضرَ الدرسَ يكونُ في مدرسته مَمْلوكان تُرْكيَّان بكَلَّاواتٍ (٢).
كذا نَقَلَه في "الرَّوْض البَسَّام"، عن "تاريخ الحافظ الذَّهبي".
ومن نَظْمِ مجد الدين قولُه (٣):
أحِنُّ إلى قلبي ومَن فيه نازِلُ … ومن أجْلِ مَنْ فيها تُحَبُّ المنازِلُ
وأشْتاقُ لَمْعَ البَرْقِ مِن نَحْوِ أرْضِكم … ففي البَرْقِ مِن تلك الثُّغورِ رسائلُ