نبهه الله تعالى للخطر العظيم قبل أن يضعضع الموت أركانه (١)، وحداه على أن يعمر ربع الورع ويشيد بنيانه (٢)، وأباحه باحة سبوحة (٣)، وأتاح بها غبوقه وصبوحه (٤)، وأماته بها حميدا فأقبره، ثم إذا شاء منها أنشره، أما بعد:
فإني من تدرجت مراقي الشرف، وتحرجت من مساقي السرف (٥)، عطوت بشناتر (٦) العزم على أعراف المجد بزابجها (٧)، وطرت بعباب الحزم (٨) في حوض بحار الحديث وركوب ثبجها (٩) لعلمي أن من تسنم قنن (١٠) المعالي استرذل من لاذ بحضيضها، ومن اعتلى ذرى المناقب (١١) السنية، أذعنت له الأمم قضها بقضيضها (١٢)، ومن افتتح قلاع صحاح الحديث وحصونها داخت له شواردها (١٣)، ومن عادى (١٤)
(١) للخطر العظيم: هو الإشراف على الهلاك. يضعضع: يهدم. أركانه جمع ركن وهو الجانب القوي. (٢) الربع: المنزل. يشيد: يطول. بنيانه: حائطه. (٣) أباحه: أنزله. باحة سبوحة: ساحة مكة. (٤) أتاح بها: أي: قدر بمكة. غبوقه: الشرب في العشي. وصبوحه: الشرب في الغداة. أراد أن يوطنه الله بها. (٥) أي: اجتنبت مجاوزة الحد بالغفلة. (٦) عطوت: تناولت. شناتر: جمع شنترة، إصبع. (٧) أي: بكلها. (٨) عباب: بضم العين المهملة بمعنى الكل. الحزم: بالحاء المهملة؛ أي: الضبط والأخذ. (٩) أي: وسطها. (١٠) جمع قنة، أعلى الجبل. (١١) أي: أعالي المراتب. (١٢) أي: كبار الأمم وصغارها. (١٣) داخت: أي: زلت وانقادت. شواردها: جمع شارد وهو الجمل إذا ند. (١٤) عادى: جمع في الحفظ.