يظهر ذلك جليا في سياق المقدمة حيث ذكر المؤلف سبب ذلك فقال: هذه رباع الحديث ممحلة معطلة، ومن أحيا أرضا ميتة فهي له، وكأني إذا جعلتها طريقي، وعززت على المصاحبة إليها رفيقي، ووجدت مرادها معاد الذتاب العادية، وصحاصحها أماكن متعادية، تتجاوب الأصداء في أرجائها، وتتناوب العوافي إلى مائها، وتخطب على منابرها الأبوام، بعد ما هدرت بها شقاشق الأقوام، قد ألحمت الجنائب ما أسدت بها الشمائل، وامتدت إليها أيدي الأسحار والأصائل، علاني البكاء، وعراني النحيب، إذ ليس لها داع ولا مجيب.
ولعمري إن هذه لمخائل انقضاض جدرانه، وانقياض حيطانه، وانطماس هذا الأثر الدال على العين، وانبعاج كظائم سخن العين.
وكان قد يستناخ بعرصتها ولا منيخ، وينشد بعقوتها ولا مصيح، عفت الديار محلها فمقامها اللهم إلا قمامها وهامها.
وإن عصرنا هذا والله المستعان عليه، والمشتكى من أهله إليه، نحريرهم في الحديث من حفظ كتاب القضاعي أو كتبه، ويقابهم من اختصر (النجم) وانتخبه، فإن انضم إليهما «الخطب الأربعون» التي زيفها النقاد أجمعون، فذلك أمثلهم طريقة وأعلمهم في الحقيقة، فإن اشرابت همته إلى (خطبة الوداع) تسمى بالواعظ الناصح، وتلقب بالداع الواع، قد خبطوا خبط عشواء، وحملوا على يابس السيساء، ولولا تجلي الغاب من أسامة أبي الشبلين لما ضبح به ثعالة أبو الحصين ارتدى برداء الردى من كان ينضح عن حمى الحديث، وابتلي ببلاء البلى من كان يغيث أهليه أو يغيث.