يَجتهِدُ تارةً، وينتظِرُ الوحيَ تارةً، لم يَخرُجْ إمساكُه عن الِإنكارِ للأقوالِ والأفعالِ عن كونه حُجَّةً مُتَبَعةً، وسُنَّةً محتجاً بها، على أن القومَ لم يكونوا لِيمسكُوا عن لائحِ اعتراضٍ عليه - صلى الله عليه وسلم -، وعلى (١) أئِمتهم ومُتقَدميهم في العلوم؛ طلباً لإِثارة الفائدةِ، وعِلْمِ ما لم يَعْلموا، والنبيُّ [- صلى الله عليه وسلم -]، يُقِرُّهم على اعتراضهم وُيجيبُهم، وكذلك المُتقدَمون من الأئمَّةِ والخلفاءِ.
فأمَّا اعتراضُهم على النبي - صلى الله عليه وسلم -: فقولُهم: ما بالُنا نَقصُرُ وقد أَمنَا؟ واللهُ تعالى يقولُ:{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}[النساء: ١٠١] , فلم تقُلْ: ليس لكم الاعتراضُ، بل أنتم مأخوذونَ بالاتباع من غيرِ سؤال، بل قال لهم:"صدقةٌ تصَدَّقَ الله بها عليكم، فاقْبَلُواَ صدقَته"(٢).
وقالوا له في فَسْخِ الحجِّ: أمَرْتَنا بالفسخ ولم تفسخْ؟ فقال:"لو استَقْبلتُ من أمرِي ما اسْتَدبَرتُ، لما سُقْتُ الهَدْيَ، ولَجعلْتُها عُمرةً، لكنَي سُقْتُ هَدْيِي، ولَبدْتُ رأسي، فلا أحِلُّ حتى أَنْحَرَ"(٢).
وقالوا له: نَهَيْتَنا عن الوصال وواصَلْتَ، فقال: "لستُ كأحدِكم،
= الله عز وجل: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: ٨٤]، أخرجه من حديث عبد الله بن عمر: أحمد ٢/ ١٨، والبخاري (١٢٦٩) و (٤٦٧٠) و (٤٦٧٢) و (٥٧٩٦)، ومسلم (٢٤٠٠) و (٢٧٧٤)، وابن ماجه (١٥٢٣)، والترمذي (٣٠٩٨)، والنسائي ٤/ ٣٦ - ٣٧. (١) في الأصل:"وعن". (٢) سلف تخريجه في الصفحة (٢٦).