لكم معاذ، فاتَّبعوا سنَّته (١) "، ومعنى هذا: موافقة ما نزل به الوحى؛ لا أَنَّ معاذاً وضع ذلك شريعةً، فإِذا كان في أمَّة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يوافقُ رأيه وحيَ اللهِ، فلا نكيرَ أن يعلم الله سبحانه من نبيه موافقةَ الأَصلح فيما يختاره، فيقول له: احكمْ بما ترى، فهو اختيارُنا وحكمُنا.
وقد رأَيتُ لبعض الأُصوليين استدلالاً في هذه المسألة (٢) بقوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}[آل عمران: ٩٣]، فأَثبت تحريمَ الطعام على بني إِسرائيل بتحريم نبي على نفسه، فقال:{مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ}، فأَبان بذلك أَنَّه إِنما حرَّمه على بني إِسرائيل بتحريمه واختياره، ولو لم يكن جائزاً في العقل، لما جاز في حقِّ أَحدٍ في شريعةٍ من الشَّرائع.
فصل
في جمع شبههم
فمنها: أَنَّ الأُمورَ الشَّرعية والأَحكامَ الدينية مبنية على المصالح التي لا عِلْمَ للخلق بها، فإذا قيل للبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: احكم بما ترى، كان تفويضاً إِلى مَنْ لا علمَ له بالأَصلح، فيحيل المصالح الدينية، والأَحكام الشرعية.
ومنها: أَنَّ لنا صواباً في الرأي، وصدقاً في الخبر، ثم إِنه لا يجوزُ أَن
(١) تقدم تخريجه ٣/ ٤١٩. (٢) أورد هذا الاستدلال أبو الحسين البصري في "المعتمد": ٨٩٠ ونسبه لأبى علي الجُبائي.