الثانية: أنه يقتضي الندبَ في حقِّه وحقِّ أمته -وجميعاً منصوصٌ عليهما، وهذه اختيارُ أبي الحسن التميمي -إلا أنْ تقومَ دلالة على الوجوب على أمته، ومشاركتهم له في ذلك، وبهذه الرواية قال أصحابُ أبي حنيفة، فيما حكاه أبو سفيان السَّرَخْسي عنهم (١).
وذهبت المعتزلة (٢) والأشعريةُ: إلى أن ذلك على الوقف، ولا يحمل على الوجوب، أو الندب إلا بدليل.
واختلَفَ أصحابُ الشافعيِّ على مذاهبَ ثلاثةٍ: أحَدُها: أنه على الوجوب، والثاني: أنه على الندب، والثالث: على الوقف (٣).
فصلٌ
في جمع أدلتنا على الروايةِ الأولى، وأن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - على الوجوب، ومشاركة أمته له في ذلك.
فمنها: سمعي: وهي الآيُ الدالة على اتباعه، والتأسِّي به - صلى الله عليه وسلم - من ذلك: قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ}[الأعراف: ١٥٨] وقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}
(١) هناك رأيان للحنفية في هذه المسألة: الأول: الندب. والثاني: الإباحة، وهو الصحيح عندهم، وبه قال الجصاص وجل الحنفية. "تيسير التحرير" ٣/ ١٢٣، و"مسلم الثبوت" ٢/ ١٨١. (٢) "المعتمد" ١/ ٣٧٧ لأبي الحسين البصري. (٣) "التبصرة" (٢٤٢)، و"الإحكام" للآمدي ١/ ٢٤٨.