في الدلالة على فساد قول أهل الوقف، وذلك من عدّة وجوه: أحدها: الكتاب؛ وهو قوله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة: ٦٧] فتمادوا بقولهم: ما هيَ، ما لونُها؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "شدَّدوا، فشدّد عليهم"(١) فقال الله سبحانه في آخر أمرهم: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١] وما كان سوى التوقف والاستفسار، وقد ذمَّهم عليه.
فإن قيل: ظاهرُ حالِهم أنهم توقفوا من غير عزم ولا اعتقاد، لأنهم قالوا في الأول:{وَأَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا}[البقرة: ٦٧] وفي الأخيرِ قالَ سبحانه: فذبحوها {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}[البقرة: ٧١] قيل: النقلُ يمنعُ ذلكَ، فإنَه رويَ في التفسير أنَهم بلغوا بثمنها ملءَ جلدِها، ورويَ مسكها ذهباً، روي: لو أنًّ بني إسرائيلَ ذبحوا بقرةً من بقرِهم لأجزأتهم، لكنْ شددوا. ولم يَذكر سوى تعمقِهم في السؤالِ، ولو كانَ
(١) أخرج هذا الحديث مرسلاً عن ابن جريج الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٥. ولفظ الحديث كما أخرجه عن ابن جريج قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إنما أمروا بأدنى بقرة، ولكنهم لما شددوا على أنفسم شدد الله عليهم؛ وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بُينت لهم آخر الأبد". قال الشيخ أحمد شاكر: وهو مرسلٌ لا تقوم به حجة. وذكر ابن كثير في تفسيره ورودَ هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعاً، ثم عقب عليه بقوله: "وهذا حديث غريب من هذا الوجه، وأحسنُ أحوالهِ أن يكون من كلام أبي هريرة، كما تقدم مثله عن السدي، والله أعلم"، "تفسير ابن كثير"، ١/ ١٥٩.