إخراجُه بالتأويلِ فيه، فمن أهمل التأويلَ فيه (١) دُهِيَ (٢) من قِبَلِ نفسِه، لا مِن قبل النطق.
قيل: إنَّ اللهَ سبحانَه لم يُعلِّق الحكمَ -وهو تغريقُ ابنِه- إلاَّ على بيانِ أنَّه عملٌ غير صالح، وأنَّه ليسَ من أهلِه الذينَ أرادهم بقوله:{وَأَهْلَكَ} ولو سبقَ البيانُ، لكانَ التوبيخُ على التقدِمةِ، ألا ترى أنَّه سبحانَه وبَّخ آدمَ وحواءَ على مخالفةِ التقدِمة؟ فقال:{وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ}[الأعراف: ٢٢] ولم يقل هنا: يا نوحُ، ألمِ أقل: وأهلكَ، إلا من ظلمَ وكفرَ؟ فعُلِمَ أنَّه قد كانَ الاستثناءُ متردِّداَ بين (٣) عودِه إلى الكلام الآخرِ والجملةِ الآخِرةِ، وبينَ عودِه إلى:{مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ}[هود: ٤٠]، فبيَّن له بياناً (٤) مبتدأ، ولو عوَّل على الأوَّلِ في البيان، لوبَّخه على المراجعة والمعاودةِ، بعد تقدِمَةِ البيانِ، كما وبَّخ آَدمَ وحواء؛ حيثُ قدَّمَ لهما البيانَ، فعمِلا بخلافِه.
ومن ذلكَ: قولُه تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ}[الأنبياء: ٩٨]، فإنَّها لمَّا نزلتْ نَاقَضَتْهُ اليهودُ بها، وقالَ ابنُ الزِّبَعْرَى: لأخصِمنَّ محمداً، ثمَّ قال: إنَّ الملائكةَ وعيسى قد عُبِدوا، فوقفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن
(١) في الأصل: "لله سبحانه". (٢) تحرفت في الأصل إلى:"وهي"، وكتبت بعد قوله: "نفسه"، وآثرنا إثباتها هنا؛ لأنه أوفق للسياق. (٣) في الأصل: "عن". (٤) في الأصل: "با ببا".