فأمر بقبض ما على الطبق، وصيّر عليه دينارًا من تلك الدنانير، ورده إليه.
وعن ثمامة بن أشرس (١)، قال: بت ليلة مع جعفر بن يحيى بن خالد، فانتبه من منامه (٢) يبكى مذعورًا، فقلت: ما شأنك؟ قال: رأيت شيخًا جاء فأخذ بعضادتى هذا الباب، وقال (٣):
كأن لَمْ يَكُنْ بينَ الْحَجُونِ إلى الصَّفَا … أنيسٌ ولم يَسْتَمِرْ بِمكَّةَ سَامِرُ
قال ثمامة: فلمّا كان الليلة المقِبلة، قتله الرشيد، ونصب رأسه على الجسر.
قال (٥): ثم خرج الرشيدُ في بعض الأيام ينظرُ إليه وهو مصلوب، فأنشأ يقول:
تَقَاضاكَ دَهْرُك ما أَسْلَفا … وكَدَّرَ عَيْشَك بعدَ الصَّفا
فلا تَعْجَبَنَّ فإنَّ الزَّمانَ … رَهِينٌ بتَفْريقِ ما ألَّفَا
قال: فنظرتُ إلى جعفر، فقلتُ: أما لَئن أصبحت آية، فلقد كنت في الخير غاية.
قال: فنظر الرشيدُ كأنه جملٌ يصولُ (٦)، ثم أنشأ يقول:
ما يَعْجِبُ العالَمَ من جعفرٍ … ما عايَنُوه فبِنَا كانَا
من جعفرٌ أو من أبُوه ومَنْ … كانتْ بنو بَرْمَكَ لَوْلانَا
(١) البداية والنهاية ١٠: ١٩٧. (٢) تكملة من البداية والنهاية. (٣) البيتان لعمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي. (٤) في أنساب الأشراف وسيرة ابن هشام: "كنا أهلها فأزالنا". (٥) البداية والنهاية ١٠: ١٩٧. (٦) وفي بعض النسخ: "صؤول".