وأمَّا ما لا يُمكِنُ فيه إرادةُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك الحُكْمِ المُقتَرنِ بخطابِه، بل يَكُونُ الخطابُ له والمرادُ به الأُمَّةُ، فليسَ ذلك مِن مَحَلِّ النِّزاع أيضًا، وذلك مِثْلُ قولِه تعالى:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(١)، فخطابُه بذلك مِن مجازِ التَّركيبِ: وهو ما أُسْنِدَ فيه الحُكْمُ لغيرِ مَن هو له، نحوُ: أنبتَ الرَّبيعُ البقلَ، وإن وُجِدَتْ قرينةٌ تَدُلُّ على إرادةِ الأُمَّةِ مَعَه دَخَلوا بلا خلافٍ، وذلك مِثْلُ قولِه تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ}(٢) الآيةَ، فإنَّ ضميرَ الجمعِ في {طَلَّقْتُمُ}، و {طَلَّقْتُمُوهُنَّ}(٣) قرينةٌ لفظيَّةٌ تَدُلُّ على أنَّ الأُمَّةَ مقصودةٌ معَه بالحُكمِ وأنَّ تخصيصَه بالنِّداءِ تشريفًا له -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّه إمامُهم وقدوتُهم وسيِّدُهم الَّذِي يَصْدُرُ فِعلُهم عن رأيِه وإرشادِه، فتَلَخَّصَ أنَّ خطابَه ثلاثةُ أنواعٍ:
أحدُها: يَكُونُ مُختصًّا به بلا نزاعٍ.
والثَّاني: دخولُ أُمَّتِه معَه بلا نزاعٍ.
والثَّالثُ: مَحَلُّ الخلافِ.
(٢)(أَوْ) أي: والخطابُ الخاصُّ (بِالأُمَّةِ) كخطابِه تعالى للصَّحابةِ: (لَا يَخْتَصُّ بِالمُخَاطَبِ) وهو الصَّحابةُ (إِلَّا بِدَلِيلٍ) يَخُصُّهم، فيَعُمَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- على الصَّحيحِ؛ لأنَّه مُخبِرٌ بأمرِ اللهِ تعالى، وتَبِعَ في «شرحِ الأصلِ»(٤) القاضيَ عبدَ الوَهَّابِ المالكيَّ والهنديَّ (٥) في نحوِ: «يَا أيُّها الأُمَّةُ» أنَّه لا يَدخُلُ قطعًا.
(١) الزُّمر: ٦٥. (٢) الطَّلاق: ١. (٣) البقرة: ٢٢٧. (٤) «التحبير شرح التحرير» (٥/ ٢٤٦٥). (٥) «نهاية الوصول في دراية الأصول» (٤/ ١٣٨١).