(وَ) البيانُ (الفِعْلِيُّ أَقْوَى) مِن البيانِ القوليِّ؛ لأنَّ المُشاهَدَةَ أدلُّ على المقصودِ مِن القولِ، وأسرعُ إلى الفهمِ، وأَثْبَتُ في الذِّهنِ، وأعونُ على التَّصوُّرِ، وفي الحديثِ:«لَيْسَ الخَبَرُ كَالمُعَايَنَةِ» رَوَاه أحمدُ (١) بسندٍ صحيحٍ عن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا، وزادَ فيه الطَّبَرَانِيُّ:«فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ -عليه السلام- عمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الأَلْوَاحَ»(٢).
(٣)(وَ) يَحصُلُ البيانُ أيضًا (بِإِقْرَارِ) ـه -صلى الله عليه وسلم- (عَلَى فِعْلِ) بعضِ أُمَّتِه؛ لأنَّه دليلٌ مُستقِلٌّ، فصَحَّ أنْ يَكُونَ بيانًا لغيرِه كغيرِه مِن الأدلَّةِ المُبيِّنِ لها.
فائدةٌ: ذَكَرَ الطُّوفِيُّ (٣) قاعدةً كُلِّيَّةً فيما يَحصُلُ به البيانُ تَتَناوَلُ ما سَبَقَ وما يَأْتي بعدُ.
(وَ) هي: (كُلُّ مُقَيَّدٍ مِنْ) جِهَةِ (الشَّرْعِ بَيَانٌ) وذلك من وُجوهٍ:
منها: التَّركُ، مثلُ: أنْ يَتْرُكَ فِعلًا قد أَمَرَ به، أو قد سَبَقَ مِنه فِعلُه، فيَكُونُ تَركُه له مُبَيِّنًا لعدمِ وجوبِه، وذلك كما أنَّه قيلَ له:{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}(٤) ثمَّ إنَّه كانَ يُبايِعُ ولا يُشهِدُ، بدليلِ الفرسِ الَّذِي اشتَراه مِن الأعرابيِّ ثمَّ أَنْكَرَ البيعَ (٥)، فعُلِمَ أنَّ الإشهادَ في البيعِ غيرُ واجبٍ، وصَلَّى -عليه الصلاة والسلام-
(١) رواه أحمد (١٨٦٧)، وابن حبان (٦٢١٣)، والحاكم (٢/ ٣٥١) وصحَّحه، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. (٢) «المعجم الأوسط» (٢٥). (٣) «شرح مختصر الروضة» (٢/ ٦٨١). (٤) البقرة: ٢٨٢. (٥) رواه أبو داود (٣٦٠٧)، والنسائي (٤٦٤٧)، والحاكم (٢/ ٢١) وصحَّحه، من حديث خُزيمة بن ثابت -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ .. الحديث.