لَمَّا فَرَغَ مِن أركانِ القِيَاسِ وما يَتْبَعُها شَرَعَ في بيانِ الطُّرُقِ الَّتي تَدُلُّ على كَوْنِ الوصفِ عِلَّةً ويُعَبَّرُ عنها بمسالكِ العِلَّةِ، وذلك: إمَّا إجماعٌ، أو نصٌّ، أو استنباطٌ، أو غيرُها، والنَّصُّ: إمَّا صريحٌ، أو ظاهرٌ، أو إيماءٌ.
فأمَّا الأوَّلُ وهو (الإِجْمَاعُ) فإِنَّما قُدِّمَ لأنَّه أقوى، قطعيًّا كانَ أو ظَنِّيًّا، ولأنَّ النَّصَّ تفاصيلُه كثيرةٌ، والمرادُ ثُبوتُ العِلَّةِ بالإجماعِ: أنْ تُجمِعَ الأُمَّةُ على أنَّ هذا الحُكمَ عِلَّتُه كذا، كإجماعِهم على تعليلِ تقديمِ الأخِ مِن الأبوينِ في الإرثِ على الأخِ للأبِ بامتزاجِ النَّسَبَينِ أي: وجودِهما فيه، فيُقاسُ عليه تقديمُه في ولايةِ النِّكاحِ وصلاةِ الجنازةِ، وتحمُّلِ العقلِ والوصيَّةِ لأقربِ الأقاربِ والوقفِ عليه، ونَحوِه.
المسلكُ (الثَّانِي: النَّصُّ) أي: مِن الكتابِ العزيزِ، أو السُّنَّةِ النَّبويَّةِ على صاحبِها أفضلُ الصَّلَاةِ وأتمُّ التَّسليمِ.
(١)(وَمِنْهُ) أي: مِن النَّصِّ ما هو (صَرِيحٌ) وما هو ظاهرٌ، وما هو إيماءٌ وتنبيهٌ، فالأوَّلُ ما وُضِعَ لإفادةِ التَّعليلِ بحيثُ لا يَحتملُ غيرَ العِلِّيَّةِ (كَـ) أنْ يُقالَ: (لِعِلَّةِ) كذا، (أَوْ) لـ (سَبَبِ) كذا، (أَوْ) لـ (أَجْلِ) كذا، (أَوْ «مِنْ أَجْلِ» كَذَا) كقولِه تَعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ}(١).
(أَوْ) يُقالَ: (كَيْ) يَكُونَ كذا، سواءٌ كانَتْ مُجَرَّدَةً عن «لا»، كقولِه تَعالى:{كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}(٢)، أو مَقرونةً بها، كقولِه تَعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ