وقد اختلفَ العلماءُ فيما إذا اتَّفقوا على فِعلٍ فَعَلوه، أو فَعَلَ البعضُ وسَكَتَ البعضُ مع عِلمِهم: هل يَكونُ إجماعًا أم لا؟ والأرجحُ أنَّه يَنعقِدُ به الإجماعُ؛ لعصمةِ الأُمَّةِ، فيَكُونُ كالقولِ المُجمَعِ عليه، وكفعلِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-.
قال بعضُ أصحابِنا: هذا قولُ الجمهورِ، حَتَّى أحالوا الخطأَ مِنهم إذا لم يَشتَرطوا انقراضَ العصرِ.
ويَتَفَرَّعُ على هذه المسألةِ: إذا فَعَلُوا فِعلًا قُربَةً، ولكنْ لا يُعلَمُ هل فَعَلُوه واجبًا، أو مندوبًا، فمُقتضى القياسِ: أنَّه كفعلِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّا أُمِرْنا باتِّباعِهم كما أُمِرْنا باتِّباعِه -صلى الله عليه وسلم-.
منها: قولُه تعالى: {وَلَا تَفَرَّقُوا}(١)، وخلافُ الإجماعِ تَفَرُّقٌ، والنَّهيُ عنِ التَّفرُّقِ لَيْسَ في الاعتصامِ؛ للتَّأكيدِ ومخالفةِ الظَّاهرِ، وتخصيصُه بها قبلَ الإجماعِ لا يَمنَعُ الاحتجاجَ به، ولا يَختَصُّ الخطابُ بالموجودينَ زَمَنَه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ التَّكْلِيفَ لكلِّ مَن وُجِدَ مُكَلَّفًا كما سَبَقَ.
ومنها: قولُه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}(٢)، فلو اجتمعوا على باطلٍ، كانوا قد اجتمعوا على مُنكَرٍ لم يَنْهَوا عنه، ومعروفٍ لم يَأْمُروا به، وهو خلافُ ما وَصَفَهم اللهُ تعالى به، ولأنَّه جَعَلَهم أُمَّةً وسطًا؛ أي: عُدولًا ورَضِيَ