وقال أبو حنيفه: لا يجب السجود إلا على الجبهة -يعني: مع الأنف-.
وعن الشافعي: فيما عدا الجبهة قولان (١).
ولا يخفى قوة دليلنا ومن وافقنا على من لم يقل بذلك؛ ولهذا قال ابن دقيق العيد: لم أر من لم يقل بوجوب ذلك عارضه بدليل قوي؛ فإنه استدل لعدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث رفاعة:"ثم يسجد، فيمكن جبهته"(٢).
وغاية هذا: أن يكون دلالة مفهوم لقب، أو غاية، ودلالة المنطوق الدالة على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدمة.
وأضعفُ من هذا: ما استدل به على عدم الوجوب من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته"(٣).
قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه، ولا ريب: أنه لا يلزم من ذلك انحصار السجود فيه.
وأضعف من هذا: زعمُهم بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة؛ فإن هذا -مع كونه قياساً في معارضة نص-، فقد دل الحديث على إثبات زيادة على المسمى، فلا تترك (٤).
(١) انظر: "تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (١/ ٤٠٧). (٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٤٥٢٥)، والحاكم في "المستدرك" (٨٨١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٢/ ١٠٢)، وابن الجارود في "المنتقى" (١٩٤). (٣) رواه أبو داود (١٤١٤)، كتاب: الصلاة، باب: ما يقول إذا سجد، والنسائي (١١٢٩)، كتاب: التطبيق، باب: نوع آخر، والترمذي (٣٤٢٥)، كتاب: الدعوات، باب: ما يقول في سجود القرآن، وقال: حسن صححِح، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٣٠)، عن عائشة - رضي الله عنها -. (٤) انظر: "شرح عمدة الأحكام" لابن دقيق (١/ ٢٢٣ - ٢٢٤).