أن الفم والأنف عضوان في محل الفرض لا يشق غسلهما، فوجب غسلهما في طهارة الحدث كالخدين؛ وهذا لأن الوجه مفترض غسله، وهما فيه يقيناً،/ وغسلهما متيسر عادة وسنة، ومفترض إذا حلهما نجاسة، وما هذا سبيله يجب تطهيره في الحدث والجنابة كبقية أعضاء الوضوء، والبدن جميعه في الجنابة.
ولا يلزم على ما ذكرنا داخل العينين واللحية الكثة ـ إن سلمنا أنه لا يجب غسلهما؛ لأن إيصال الماء إليهما يشق.
فإن قيل: إنما يجب غسل العضو في طهارة الحدث إذا لحقه حكم الحدث، وداخل الفم والأنف لا يلحقه حكم الحدث، ولهذا بقية البدن متيسر الغسل ولا يجب غسله في الوضوء؛ لأنه لم يلحقه حكم الحدث.
قلنا: بل الحدث يعم جميع البدن، قال ﵇:«من توضأ وسمى طَهُر سائر جسده، ومن لم يسم طَهُر ما أصابه الماء»(١) فدل على أن بدنه قد لحقه حكم الحدث، ولأنه لا يجوز له القراءة فقد لحقه حكم حدث الجنابة، ولا يمس المصحف بلسانه وهو محدث، ويلحقه حكم التطهير بغسل الأعضاء الأربع تيسيراً على الناس وتخفيفاً عنهم لأجل تكرر طهارة الحدث في اليوم والليلة دفعات، فلو [أوجبنا](٢) غسل جميع البدن احتاج إلى خلع ثيابه، وأخذ الماء الكثير، وذلك لا يوجد في الأسواق والطرق، فيحتاج إلى دخول الحمام، أو قصد المواضع الخالية الكثيرة الماء، فينقطع معاشه، ويضيع ماله.
ويدل عليه: أنه لا يجوز للمحدث مس المصحف بظهره وصدره ولسانه وشفتيه، ولو لم يحلهما الحدث لجاز ذلك، وحدث الجنابة
(١) تقدم تخريجه. (٢) ما بين المعكوفين في الأصل: (أن جنبا)، وما أثبته هو الموافق للسياق.