إذا نوى المقيم الصوم، ثم سافر في أثناء النهار، جاز له الفطر عندنا في إحدى الروايتين (١)، وهي قول الشعبي، والحسن البصري، وإسحاق، وابن المنذر (٢).
والثانية: لا يجوز له الفطر (٣)، وهي قول أكثرهم (٤).
الأوّلة:
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ (٥)، وتقديره: فأفطر فعدّةٌ، وهذا عام فيمن سافر في أول النهار، أو في أثنائه، فهو على عمومه، وشموله إلا ما خصه الدليل.
فإن قيل: المراد به من كان مسافراً فله أن يفطر لأجل السفر، وهذا حين الخطاب كان مقيماً على أن هذه الآية/ إنما وردت لبيان السفر سبباً للإفطار (٦) في محلٍّ يجوز، وفي أي محلٍّ لا يجوز، وليس في الآية.
قلنا: الشرع [أباح](٧) الفطرَ بشرط السفر، وقد وُجِد ذلك.
و ـ أيضاً ـ ما روى مسلم في «صحيحه»(٨) بإسناده، عن جابر،
(١) ينظر: الروايتين والوجهين ١/ ٢٦٤، الإرشاد ص ١٤٩. (٢) ينظر: المغني ٣/ ١١٧، الاستذكار ١٠/ ٨٧. (٣) ينظر: الروايتين والوجهين ١/ ٢٦٤، الهداية ١/ ٨٢، الإنصاف ٣/ ٢٨٩. (٤) ينظر للحنفيّة: المبسوط ٣/ ٦٨، الجوهرة النيرة ١/ ١٤٢. وللمالكيّة: الكافي ١/ ٣٣٨، الاستذكار ١٠/ ٨٦. وللشافعيّة: الحاوي الكبير ٣/ ٤٤٨، المجموع ٦/ ٢٦٠. (٥) البَقَرَة: ١٨٤. (٦) بهذا المكان في الأصل: (لما)، وبحذفه يستقيم السياق. (٧) ما بين المعكوفين في الأصل: (أباحه)، وما أثبته هو الموافق للسياق. (٨) أخرجه مسلم، كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر ٢/ ٧٨٥، ح ١١١٤ قال: حدثني محمد بن المُثَنَّى، حدثنا عبد الوهاب يعني ابن عبد المجيد، حدثنا جعفر، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله ﵄، أن رسول الله ﷺ خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم، فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه، حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس قد صام، فقال: «أولئك العُصاةُ، أولئك العُصاةُ».