ولو سلمنا على ما ذكره القاضي (١)(٢) فالناسي غير معرض عن التسمية فجاز أن يجعل بمنزلة المسمِّي، فأما التارك عمداً فهو معرض عن التسمية، فلم يجز أن يجعل بمنزلة من سمى مع وجود الإعراض حقيقة؛ لأنه لا عبرة بالدليل مع التصريح بغيره، ولأن الناسي عاجز عن التسمية، والعاجز معذور، فأما العامد فغير عاجز، فلا عذر له.
على أنه لا يمتنع أن يكون واجب ويسقط بالسهو، هذا كما نقول في الإمساك/ في الصوم، وكالحج فيه واجبات وتسقط بالسهو والعذر، وكالتسمية على الذبيحة عند أبي حنيفة (٣)، إلى غير ذلك من الأشياء.
وأما تعلقهم بفصل الأخرس فنقول: سقط الأمر بالتسمية في حقه لأجل العجز، وقامت الإشارة في حقه مقام النطق في سائر المواضع، وإذا قامت الإشارة مقام النطق لم نبالِ بقدرته على الاستنابة كما نقول في الطلاق، والعتاق، والبيع، وغيرها.
وأما غسل الذميّة تحت المسلم فلا نسلمه، ونقول: لا يصح، ولا يستبح به الوطء أصلاً، ثم وإن سلمنا فذلك الغسل إنما صححناه ليتوصل الزوج به إلى حقّه، فكأنه على الحقيقة غسل شرع لحق الزوج،
(١) محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد، القاضي أبو يعلى ابن الفراء البغدادي الحنبلي، كبير الحنابلة، ولد في أول سنة ٣٨٠ هـ، قال ابنه: كان عالم زمانه وفريد عصره ونسيج وحده وقريع دهره، وكان له في الأصول والفروع القدم العالي، وأصحاب الإمام أحمد ﵁ له يتبعون، ولتصانيفه يَدرسون ويُدرِّسون، وبقوله يفتون، وعليه يعولون، والفقهاء على اختلاف مذهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون، ولمقاله يسمعون ويطيعون، وبه ينتفعون. وقال الذهبي: إنه في الفقه ومعرفة مذاهب الناس، ومعرفة نصوص أحمد ﵀، واختلافها، إمام لا يدرك قراره. مات سنة ٤٥٨ هـ. [ينظر: تاريخ بغداد ٣/ ٥٥، طبقات الحنابلة ٢/ ١٩٣، تاريخ الإسلام ١٠/ ١٠١]. (٢) قال: لا يمنع أن تكون التسمية واجبة وتسقط بالسهو. [ينظر: الجامع الصغير ص ٢٥]. (٣) التسمية شرط في الذبيحة عند أبي حنيفة وتسقط بالسهو. [ينظر: الجوهرة النيرة ٢/ ١٧٦، بدائع الصنائع ٥/ ٤٦].