وقال القتيبي في جوابات المسائل في كتاب «الجامع في النحو»(١): يجوز أن يقول: صمت الشهر كله إلا يوماً، ولا يجوز أن يقول: صمت الشهر كله إلا تسعة وعشرين يوماً، ويقول: لقيت القوم كلهم إلا واحداً، ولا يجوز أن يقول: رأيت القوم كلهم إلا أكثرهم.
وأنشدوا في ذلك:
عداني أن أزورك أن بهمي … عجاف كلها إلا قليلا (٢)
فإن قيل: دعواكم استقباح ذلك لا وجه له، بل الأحسن عندهم غيره وليس/ إذا كان الأحسن غيره لم يكن مستعملاً ولا سائغاً، ألا ترى أن الأحسن في حق من أراد أن يقر بتعسة أو يجيزها أن [لا](٣) يقول: عشرة إلا واحداً، بل يقول: تسعة، ومن أراد أن يثبت ستة إقراراً بها الأحسن أن يقول: ستة، ولا يقول: عشرة إلا أربعة.
ثم لا يقال: إن الاستثناء كذا ليس بلغة ولا مستعملاً.
قلنا: أما الاستهجان والاستقباح فلا شبهة فيه؛ لما نقلنا عن العلماء بهذا اللسان.
وقولهم: ليس بمتكلم بلغة العرب من نطق بذلك، وما قول من قال: أعطيته مائة ألف درهم إلا تسعة و [تسعين](٤) ألفاً وتسع مائة وتسعة وتسعين، بدلا من قوله: أعطيته درهماً، وما هو في الفعل بمثابة من أراد المضي إلى دار في جواره طريقها خطوات، فمضى خارجاً عنها دائراً في عطفات وزيقات قدر المسافة فرسخاً، فاستهجان ذلك القول كاستهجان هذا الفعل؛
(١) لم أقف عليه. (٢) البيت أنشده أبو علي القالي بلفظ: (عجايا)، وقال أبو عبيد البكري: قد رأيت هذا البيت منسوباً إلى أرطاة بن سهيّة المرّيّ. [ينظر: الأمالي ١/ ١١٤، سمط اللآلي ١/ ٣٤٢]. (٣) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٤) ما بين المعكوفين في الأصل: (تسعون)، وما أثبته هو الصحيح لغة.