تعجباً من البخس، وليس هذا مما [يجري](١) فيه شيء، ألا ترى أنه (٢) يصح أن يقول: لي عنده مائة قد أعطاني ثلاثين يقضي سبعين، ولا يحسن/ أن يقال لمن عنده مائة إلا سبعين ويريد به ثلاثين؟
طريقة أخرى: أن الاستثناء وضع للاختصار وللاستدراك، والعرب قد استهجنوا واستقبحوا ما طال من الكلام لغير حاجة، واستحسنوا الاختصار، وهو تقليل الكلام الجامع لكثير المعاني، وهو من أحد طرق إعجاز القرآن، فهذا في الجملة، فإذا جاء التفصيل كان أشد تقبيحاً واستهجاناً قول القائل ـ وهو يريد الإخبار بأنه رأى رجلاً أن يقول: ـ «رأيت ألف رجل، إلا تسع مائة [وتسعة و](٣) تسعين رجلاً»، وقوله وهو يريد الإقرار لرجل بدرهم: «له علي ألف درهم، إلا تسع مائة [و](٤) تسعة وتسعين درهماً»، وما دخل في خبر الاستفتاح مبهم لم يكن مستعملاً؛ لأن القوم عقلاء حكماء امتازوا من الخلق باللسان وحسن البيان، فلا يحصوا استعمالهم إلا بالأحسن، فإذا رأيناهم استقبحوا كلاماً واستهجنوه علمنا أنه ليس من وضعهم.
فالدليل على ما قلنا: ما ذكره الزجاج في كتاب «المعاني»(٥)(٦) لما تكلّم على قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا﴾ (٧)، ولم يأت في كلام العرب إلا القليل من الكثير.
وقال أبو الفتح بن جني: لو قال قائل: هذه مائة إلا تسعين ما كان متكلماً بالعربية وكان كلامه عِيّاً ولُكْنة (٨).
(١) ما بين العكوفين في الأصل: (يجر)، وما أثبته هو الصحيح لغة. (٢) بهذا المكان في الأصل: (لا)، وبحذفه يستقيم السياق. (٣) ما بين العكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٤) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق. (٥) ينظر: معاني القرآن وإعرابه (٤/ ١٦٣). (٦) كتاب: (معاني القرآن وإعرابه)، لإبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج، وهو كتاب مختصر في إعراب القرآن ومعانيه، وهو من المصنفات المفيدة. [ينظر: تاريخ بغداد ٦/ ٨٧، البداية والنهاية ١١/ ١٦٩]. (٧) العَنكبوت: ١٤. (٨) لم أقف عليه عند ابن جني، وإنما ذكره في القاموس الفقهي ص ٥٢.