للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما الآية الأخرى، فإن الله ـ تعالى ـ قال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (١)، فأضاف العباد إليه مطلقاً، وذلك يقع على كل عبد له من مَلَكٍ وآدمي وجنّي، ثم قال: ﴿إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ (٢)، والغاوون من جميع العباد هم الأقلون؛ لأن الملائكة كلهم غير غاوين ﴿بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ (٣)، ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ *﴾ (٤)، وهم أكثر الخليقة، ويضاف معهم المؤمنون من الإنس والجن، فيكونون أكثر من الغاوين بغير شك؛ فاتضح أنه في الاثنين استثناء الأقل.

وأجاب بعض أصحابنا بجواب آخر، فقال: يحتمل أن يكون أنزلهم منزلة القليل لقلة منزلتهم، وإن كانوا أكثر عدداً، كما قال النبي : «الأقلون هم الأكثرون» (٥)، يريد المنزلة، وهذا مستحسن في لغة القوم أن يقول القائل: «جاءني بنو تميم إلا أوباشهم وسفسافهم»، وإن كانوا هم الأكثرين عدداً، لكن لما كانوا الأقلين منزلة استثناهم.

فإن قيل على الجواب الأول: لو دخل/ الملائكة في قوله: ﴿عِبَادِيَ﴾ (٦)؛ لوجب أن يكون من الملائكة [غاوون] (٧)، كما كان من الآدميين [غاوون] (٨).

قلنا: لا يجب ذلك، بل الواجب أن يخرج الاستثناء بعض الجملة، والجملة هي: العباد، فإذا خرج منهم بعض الآدميين كفى.


(١) الحِجر: ٤٢.
(٢) الحِجر: ٤٢.
(٣) الأنبيَاء: ٢٦.
(٤) الأنبيَاء: ٢٠.
(٥) أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب من أجاب بلبيك وسعديك ٨/ ٦٠، ح ٦٢٦٨، ومسلم، كتاب الكسوف، باب الترغيب في الصدقة ٢/ ٦٨٧، ح ٩٤، من حديث أبي ذر بلفظ: «الأكثرون هم الأقلون، إلا من قال هكذا وهكذا».
(٦) الأنبيَاء: ١٠٥.
(٧) ما بين المعكوفين في الأصل: (غاوين)، وما أثبته هو الصحيح لغة.
(٨) ما بين المعكوفين في الأصل: (غاوين)، وما أثبته هو الصحيح لغة.

<<  <   >  >>