أما القرآن: فقوله ـ تعالى ـ: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ *﴾ (١)، وقال: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ *﴾ (٢)، فاستثنى العباد من الغاوين، والغاوين من العباد، وأيهما كان أكثر فقد استثناه من الآخر، فدل على جوازه.
على أن النصوص تعطي أن الغاوين أكثر، بدليل قوله: ﴿وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ (٣)، صدق الله على ذلك بقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ (٤)، ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ *﴾ (٥)، ولكن أكثرهم لا يعقلون، لا يؤمنون (٦).
وأما الشعر: فقول الشاعر (٧):
أدّوا التي نقصت تسعين من مئة … ثم ابعثوا حكماً بالحقِّ قوّاما (٨)
وهذا في معنى الاستثناء؛ لأن تقديره مائة إلا تسعين.
(١) ص: ٨٢، ٨٣. (٢) الحِجر: ٤٢. (٣) الأعرَاف: ١٧. (٤) سبأ: ١٣. (٥) يُوسُف: ١٠٣. (٦) ليس هناك آية في كتاب الله بلفظ: (ولكن أكثرهم لا يعقلون)، أو بلفظ: (ولكن أكثر الناس لا يعقلون)، أو بلفظ: (ولكن أكثرهم لا يؤمنون)، وإنما ورد في سورة هود آية ١٧، وسورة الرعد آية ١، وسورة غافر آية ٥٩ قوله ـ تعالى ـ ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. وجاء في سورة المائدة آية ١٠٣ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾، وفي سورة العنكبوت آية ٦٣ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾، وفي سورة البقرة آية ١٠٠ ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. (٧) نُسب البيت إلى أبي مُكْعِت أخي سعد بن مالك. [ينظر: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ١٠/ ٢٥٠]. (٨) ينظر: خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب ١٠/ ٢٥٠، وقد ورد بعدّة روايات وهي مستقيمة لغة وعروضاً، وقد ذكره البغدادي بلفظ: أدوا الذي نقضت سبعين من مائة أو ابعثوا حكماً بالحقّ علاما