للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإنما قلنا: إنه متغيب؛ لأن المتغيب طالب ما ليس [له] (١) طلبه، أو طلب زيادة بعد حصول مقصوده.

وإنما قلنا: إنه متغيب بترك الرضا؛ لأن مقصوده استيفاء حقه لا عين الشخص وذمته، وحقه يصل إليه من المحال عليه، كما يصل من المحيل، فيكون ترك الرضا متغيباً متخبّياً فلم يقبل منه، وهذا كالوكيل بقضاء الدين من غير رضا من له الدين يجوز؛ لأن مقصوده وصوله إلى حقه، ويده ويد وكيله في هذا المعنى واحد لا يختلف بحال، فصار بترك الرضا بيد وكيله وطلب يده متغيباً، فلم يقبل ذلك منه، كذلك هاهنا.

فإن قيل: لو كان عدم الرضا والقبول جارياً مجرى القبول والرضا يوجب أن ينتقل الحق إلى ذمة المحال عليه عن ذمة المحيل، بمعنى أنه لو هلك المحال عليه معسراً سقط الحق بمجرد قوله: أحلتك عليه، من غير رضا المحتال، فلما لم ينقل إلا بالرضا، دل على اعتبار الرضا.

قلنا: في ذلك عن أحمد روايتان (٢):

أحدهما: ينتقل، فعلى هذا قد قلنا به.

والثانية: لا ينتقل الحق، لكن تنقطع المطالبة بمجرد الحوالة.

ويفيد الحوالة ـ أيضاً ـ إجباره على أخذ الحق من المحال عليه؛ لأنه/ قد يلزمه ما لا يحصل به البراءة، بدليل الوكالة في إيفاء المال، فإنه لا يجوز له الإباء والامتناع، ولا يسقط حقه، لكن تسقط مطالبته بذلك.

احتجوا:

بأنه حق ثبت في محل فلم يجر إجباره على استيفائه من غيره، دليله: إذا ثبت له حق في عين من الأعيان؛ فإنه لا يجوز نقله إلى غيره بغير اختاره.

قالوا: وهاهنا قد ثبت الحق في ذمة المحيل، فلا يجبره أن يستوفيه


(١) ما بين المعكوفين ليس في الأصل، وقد أثبته ليستقيم السياق.
(٢) ينظر: الإنصاف ٥/ ٢٢٧.

<<  <   >  >>