للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من ذمة المحال عليه، وهذا المعنى وهو أن الذمم لا تتكافأ كما لا تتكافأ أعيان الأموال، ثم لو باعه عيناً، أو رهنه عيناً لم يجز أن يجبره على أن يسلّم غيرها، كذلك في الذمم قالوا.

قالوا: ولأن الحوالة تتضمن براءة أو بيعاً، فكلاهما يعتبر له الرضا، والبراءة فيما ظاهره على أصلكم؛ حيث قلتم لا يرجع على المحيل بفلس المحال عليه قبل إيفاء الدين، ألا ترى أن الإفلاس بالثمن أوجب عندكم الرجوع على المشتري بالمبيع لما كان العقد عقد بيع (١)، والضمان لما لم يتضمن الإبراء لم يسقط بفلس المضمون ولا بموته، والإبراء ممن له الحق لا يصح إلا برضا المبرئ، وهو المحتال، ومما يرد الحوالة إلى جانب البيع ـ أيضاً ـ أنه يعاوض بماله في ذمة المحيل بماله في ذمة المحال عليه، وإذا ترددت الحوالة بين أمرين كل واحد منهما يفتقر إلى الرضا كانت مفتقرة إلى الرضا.

الجواب:

أنه لا يجوز اعتبار الذمم بالأعيان؛ لأن الذمم غير مقصودة في نفسها، وإنما المقصود الحق، فلا فرق بين استيفائه من ذمة وذمة، ألا ترى أن المكيال والميزان لو عُيِّنا في توفية حق لم يتعينا، وجاز الإيفاء من غيرهما، فأما الأعيان فهي المقصودة في نفسها، وهي غير حقه، فلا يجوز إجباره على أخذ غير حقه، ألا ترى أنه لو باعه عيناً ثم تراضيا على تسليم غيرها/ بذلك البيع لم يجز، ولو تراضيا على النقل بالحوالة إلى ذمة أخرى جاز، فدل على ما قلنا.

فإن قيل: فإذا رهنه شيئاً فليس هو المقصود، والتوثق يحصل بغيره، ثم لا يجبر على أخذ غيره رهناً.

قلنا: قد يُقصد الرهن في التوثق لمعرفة المرتهن (٢)، والحث على القضاء


(١) ينظر: الهداية ١/ ١٦٢، الإنصاف ٥/ ٢٨٦، ٢٩٢.
(٢) بهذا المكان في الأصل عبارة: (أن الأصحاب)، ولا معنى لها هناك، وحذفها هو الموافق للسياق.

<<  <   >  >>