والتوبة تتعذر بعد الموت، والقضاء نفس الحق، وأما السبب الذي أثم به من غصب أو تغلب فلا يسقط بنفس القضاء كما لو ردَّ الغصب حالَ الحياة لا عن توبة، فإنه لا يسقط إلا ضمانه للآدمي دون المأثم.
قلنا: يجوز أن تكون الشفاعة من النبي ـ صلَّى الله عليه ـ موقوفة على سقوط حق الآدمي، فلما سقط قلنا في حق الله ـ تعالى ـ خاصة وهذا هو الظاهر؛ لأن النبي ـ صلَّى الله عليه ـ لم يحفظ عنه أنه سأل عن طاعة ميت ولا معصيته كما كان يسأل عن دَيْنه، وإنما خص بترك شفاعته حقوق الآدميين التي لا يغفرها ويسقطها إلا القضاء والقصاص أو الإبراء ممن له الحق، وبقي حق الله ـ تعالى ـ وهو العصيان بغصب أو تأخر قضاء ومطالب مع قدرة وغنى، وهذا يدفع قولهم: لو كان بالعصيان لما زال بالضمان والقضاء؛ لأن العصيان ما زال بالضمان، لكن زال الحق للآدمي بالضمان، فلما بقي مجرد حق الله تقدم وشفع؛ لأنه لا يعنى بحق واحد من أمته، ويسقط حق الآخر؛ فشدد لأجل الدين والمظلمة، فلما قضى الدين سأل المظلمة.
فإن قيل: الغرماء لم يرضوا بذمة الورثة فلا يلزمهم الرضا؛ لأن الذمم لا تتكافأ.
قلنا: عندكم الذمم تتكافأ، ولهذا يلزم المدين أن يحتال إذا احتال على مليّ؛ لقوله ﵇:«ومن أحيل/ على مليّ فليحتل»(١)، ولأنهم إذ أوثقوا بالرهن وغيره لم يكن على الغريم ضرر بحال، ويؤيد هذا أن الوارث قائم مقام الموروث فيما له، وعليه بدليل استيفاء ديونه وتنفيذ وصاياه، وهذا الأجل من حقوقه؛ فيجب أن يرثه.
(١) أخرجه البيهقي في الكبير، كتاب الحوالة، باب من أحيل على ملي فليتبع ولا يرجع على المحيل ٦/ ١١٧، ح ١١٣٨٩، والحديث عند البخاري، كتاب الحوالات، باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة؟ ٣/ ٩٤، ح ٢٢٨٧، ومسلم كتاب الطلاق، باب تحريم مطل الغني وصحة الحوالة واستحباب قبولها إذا أحيل على مليء ٣/ ١١٩٧، ح ١٥٦٤ من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة ﵁: أن رسول الله ﷺ قال: «مطلُ الغنيّ ظلمٌ، فإذا أُتبع أحدكم على مليّ فليتبع».