للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قيل: بل تتجدد مطالبه لا تستند إلى حال الحياة؛ بدليل أن المتوفى على عهد رسول الله ـ صلَّى الله عليه ـ كان معسراً لم يخلف وفاء، ثم مع ذلك قال النبي : «ما تغنيه صلاتي عليه، وذمته مرتهنة في قبره بدينه»، وقوله لعليّ لما أدى ما ضمن عنه: «الآن فككت رهانه» (١)، وروي: «الآن برَدَتْ عليه جلدُه» (٢)، وهذا يدلّ على أن الأجل المشروع في حق المعسر وهو قوله ـ تعالى ـ: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ (٣) حلّ بالدين، وحصلت المطالبة به من الله ـ تعالى ـ، والارتهان عليه ولأجله مع قوله في حال الحياة: ﴿فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ﴾ (٤)، وهو اليوم حكم كلّ معسر بدينه يكون على الإنظار حال حياته، ثم على الحلول والمطالبة بعد موته.

قلنا: ظاهر الخبر لا يمكن القول به؛ لأن مَنْ كان عليه دين بجهة مباحة لا محظورة، ومات عاجزاً لا يكون معذباً، ولا مسخن الجلد؛ لأنه معذور شرعاً، لكن ذلك إنما يكون في باب أخذ الأموال بغير حق، فيكون الدين الحاصل على وجه يحصل به الإثم؛ لأنه لا أحد من الفقهاء حكم بمأثم لأجل الدين وتأخيره/ القضاء لأجل الإعسار، وهذا صحيح؛ لأن الله ـ سبحانه ـ قد أمر أرباب الحقوق مع حاجتهم إلى أموالهم بالنظرة، وكيف نظن بأنه يضيق المطالبة والمعاقبة عليهم مع إعسارهم وعجزهم، وكون الحق ليس له .

فإن قيل: لا يجوز حمله على وجه مأثم سوى الدين خاصةً؛ لأنه لو كان كذلك ما برد مضجعه، ولا فكَّ رهانه إلا التوبة، فأما مجرد القضاء،


(١) لم أقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج الدارقطني، كتاب البيوع ٣/ ٤٦، ح ١٩٤ بلفظ: « .. فتقدم رسول الله فصلى عليه، ثم قال لعلي بن أبي طالب: جزاك الله خيراً، فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك»، حديث ضعيف، في إسناده غير واحدٍ ممن تكلِّم فيه؛ فعطاء بن عجلان: قال عنه البخاريُّ: منكر الحديث. [ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي ٤/ ١٤٣، التاريخ الكبير للبخاري ٦/ ٤٧٦].
(٢) أخرجه أحمد ٢٢/ ٤٠٥، ح ١٤٥٣٦، والحاكم ٢/ ٦٦، ح ٢٣٤٦، من حديث جابر ، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
(٣) البَقَرَة: ٢٨٠.
(٤) البَقَرَة: ٢٨٠.

<<  <   >  >>